فإن قلت: ما معنى (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) قلت: ثم قبله بعد التوبة وقرّبه إليه، من جبى إلىّ كذا فاجتبيته. ونظيره: جليت علىّ العروس فاجتليتها. ومنه قوله عز وجل (وَإِذا لَمْ تَاتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها) أى هلا جبيت إليك فاجتبيتها. وأصل الكلمة الجمع. ويقولون: اجتبت الفرس نفسها إذا اجتمعت نفسها راجعة بعد النفار. و (وهَدى) أى وفقه لحفظ التوبة وغيره من أسباب العصمة والتقوى.
لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلى البشر، والسببين اللذين منهما نشؤا وتفرعوا: جعلا كأنهما البشر في أنفسهما، فخوطبا مخاطبتهم، فقيل (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ) على لفظ الجماعة ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب، وهو في الحقيقة للمسبب
قوله:(جُبي إليّ كذا فاجتبيتُه)، من قولك: اجتبى الشيء بمعنى جباهُ لنفسه، أي: جمعه، فقوله: هلا جُبيت إليك فأجتبيتها؟ معناه: هلا جُمعت إليك فاجتمعتها افتعالاً من عند نسك؟ فإنهم كانوا يقولون:(إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ)[الفرقان: ٤].
قوله:(جُليت عليَّ العروسُ فاجتليتُها)، أي: نظرتُ إليها مجلوةً.
قوله:((وَهُدًى) أي: وقفه لحفظ التوبة)، فسر الهداية المطلقة لاقترانها بالتوبة بما يناسبها تتميماً، فعلى هذا ينبغي أن يفسر الغواية في قوله:(وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) بما يناسب العصيان من متابعة هو النفس بتسويل الشيطان، لا بالغواية الحقيقية، كقول إخوة يوسف:(إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[يوسف: ٨].
قوله:(ونظيره: إسنادهم الفعل إلى السبب، وهو في الحقيقة للمسبب)، نحو: بنى الأميرُ المدينة، وكسى الخليفةُ الكعبة، يعني: خوطب آدمُ وحواءُ بقوله: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)