للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرحمن وحده، لا يستحق هذا الاسم غيره، من قبل أنّ أصول النعم وفروعها منه: خلق العالمين، وخلق لهم جميع ما معهم، كما قال بعضهم: فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك عطاؤه. فمن أضاف إليه ولدا فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن. هو من دعا بمعنى "سمى" المتعدي إلى مفعولين، فاقتصر على أحدهما الذي هو الثاني، طلبا للعموم والإحاطة بكل ما دعى له ولدا. أو من دعا بمعنى نسب، الذي مطاوعه ما في قوله عليه السلام «من ادعى إلى غير مواليه» وقول الشاعر:

إنّا بنى نهشل لا ندّعي لأب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً) وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلى قوله: (سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً) إعلاماً بعظم تأثير هذه الكلمة من الموافقين والمخالفين في الدنيا ليكون تكميلاً لتأثيره في العقبى، فأتى أولاً بذكر المخالفين، وكررها أربع مرات تشديداً لكفران النعم التي موليها الرحمن وتعكيساً لآرائهم، يعني: كان من حق مُولي أصول النعم وفروعها وخالق العالمين وما فيها أن لا يشكر غيره، فقد كفروا به بأن اتخذوا له ولداً، كقوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: ٨٢]، ثُم ثنى بذكر الذين اتخذوا عنده عهداً وأوثقوه توثقةً شديدة حتى علقت به عقدة المحبة والمودة تعريضاً بالمخالفين، وأنهم المبغوضون، ولذلك وُصفوا بالمغضوب عليهم.

قوله: (طلباً للعموم والإحاطة) أي: لم يقل: دعوا عيسى ولداً ولا عُزيراً ولا الملائكة، طلباً للعموم على منوال: فلانٌ يُعطي ويمنعُ، لكن اقتصر على أحد مفعوليه.

قوله: (إنا بني نهشلٍ لا ندعي لأبٍ)، تمامه:

عنه ولا هو بالأبناء يشربنا

<<  <  ج: ص:  >  >>