ذلك الأثر في المحسوسات: أن يُصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخرّ. وفي قوله (لَقَدْ جِئْتُمْ) وما فيه من المخاطبة بعد الغيبة- وهو الذي يسمى الالتفات في علم البلاغة- زيادة تسجيل عليهم بالجرأة على الله، والتعرّض لسخطه، وتنبيه على عظم ما قالوا. في (أَنْ دَعَوْا) ثلاثة أوجه: أن يكون مجرورا بدلا من الهاء في (منهُ)، كقوله:
على حالة لو أنّ في القوم حاتما … على جوده لضنّ بالماء حاتم
ومنصوبا بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل، أى: هذا لأن دعوا، علل الخرور بالهدّ، والهدّ بدعاء الولد للرحمن. ومرفوعا بأنه فاعل (هداً)، أى: هدها دعاء الولد (للرحمن). وفي اختصاص "الرحمن" وتكريره مرات من الفائدة: أنه هو
تدل على الوحدانية، والنكتة التي أبداها إنما تتم له بناء على أن الموجودات شاهدةً بنفي الولد، وقد ظهر لك ما فيه. وقلتُ: كلامُ صاحب "الانتصاف" أحسنُ ما ذُهب إليه في هذا المقام.
قوله:(عُلل الخرور بالهد، والهد بدعاء الولد) يعني: هو من تداخل العلة، كقوله تعالى:(وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)، قالوا: محل (أَلاَّ يَجِدُوا) نصبٌ على أنه مفعولٌ له، وناصبه المفعول له الذي هو (حَزَناً).
قوله:(أي: هدها دعاءُ الولد)، قيل: هو كما تقول: شاهدت ضرباً زيداً، أي: أن أضرب زيداً.
قوله: (وفي اختصاص "الرحمن" وتكريره مرات)، اعلم أنه ذكر أحوال المتقين، وكرر فيها هذه الكلمة مرتين ليُعلق بها أولاً ما يخصهم من الله من فضيلة التبجيل والإكرام، وثانياً: ما ينبئ عن القرب من الله والزلفى عنده من مزية درجة الشفاعة، وعلل حصول هذه المرتبة باتخاذ العهد وهو التوحيد والقيام بمواجب الشكر والعبودية، وعقبه بقوله: