للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأرض وخُرور الجبال؟ ومن أين تؤثر هذه الكلمة في الجمادات؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن الله سبحانه يقول: كدت أفعل هذا بالسماوات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضبا منى على من تفوّه بها، لولا حلى ووقارى، وأنى لا أعجل بالعقوبة كما قال: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر: ٤١]. والثاني: أن يكون استعظاما للكلمة، وتهويلا من فظاعتها، وتصويرا لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده، وأنَّ مثال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (والثاني: أن يكون استعظاماً للكلمة وتهويلاً)، يريد أنه من باب التمثيل والتصوير وأخذ الزبدة من الجُمل كلها من غير نظر إلى مفرداتها، كقوله تعالى: (وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر: ٦٧].

قال صاحب "الإنصاف": ويظهر لي أنه استعار لدلالتها على وجود الله وعلى وصفه بصفات الكمال كونها مُسبحةً بحمده في قوله: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ) الآية [الإسراء: ٤٤]، ولما دلت عليه هي وكل ذرةٍ أنه مقدسٌ عن نسبة الولد إليه، فالمعتقد لذلك عطل وجه دلالتها على تقدسه ووحدانيته، فاستعير لما فيه من إبطال روح الدلالة التي خُلقت لأجلها إبطال صورتها بالهد والانفطار.

وقال صاحب "الانتصاف": استشهد هذا القائل على دلالة الموجودات على وحدانية الله بقول الشاعر:

وفي كل شيء له آيةٌ … تدل على أنه واحد

وأقولُ: الموجوداتُ تدل على أنلها خالقاً قادراً عالماً حكيماً؛ لأن الأثر دال على المؤثر، والمقدور على القدرة، وإتقانُ العمل دليلٌ على العلم والحكمة. وأما دلالةُ الموجودات على الوحدانية، فلا وجه له، وأصعبُ ما تحققُ به هذا الأصل قول الشاعر، ظن أن الموجودات

<<  <  ج: ص:  >  >>