للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجنة بعد تجاثيهم، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم: ٧٣].

(بَيِّناتٍ): مرتلات الألفاظ، ملخصات المعاني، مبينات المقاصد: إما محكمات أو متشابهات، قد تبعها البيان بالمحكمات. أو بتبيين الرسول قولا أو فعلا. أو ظاهرات الإعجاز تحدّى بها ولم يقدر على معارضتها. أو حججا وبراهين. والوجه أن تكون حالا مؤكدة كقوله تعالى: (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة: ٩١]؛ لأن آيات الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على هذا الوجه من تقدير مضاف، أي: نذرُ الظالمين في حول جهنم جثياً، ويؤيده أيضاً قوله: (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً).

قوله: (أو ظاهرات الإعجاز) عطفٌ على قوله: "مُرتلات الألفاظ"، وعلى الأول: (بَيِّنَاتِ) من: بان الشيءُ عن الشيءِ: انفصل وانقطع، وعلى الثاني من: بانَ الشيءُ بياناً: ظهر. الأساس: بانَ الشيءُ بيناً وبينونةً، وباينهُ مباينةً.

فقوله: "مُرتلاتِ الألفاظ" اعتبارُها بحسب الفصاحة. وقوله: "ملخصاتِ المعاني" بالنظر إلى البلاغة. وقوله: "مبينات المقاصد" بالنسبة إلى الأصول والفروع؛ لأن المعنى إما نصٌّ ملخصٌ، فهو المحكماتُ، وإما مُؤولٌ مُبينٌ مقاصده فهو المتشابهات التي تبعها البيانُ، إما بالقرآن أو بالسنة. والسنة: ما قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره.

قوله: (والوجه أن تكون حالاً مؤكدةً) يعني: (بَيِّنَاتِ) يحتملُ أن تكون حالاً منتقلةً من (آيَاتِنَا)، وأن تكون مؤكدة لمضمون الجملة. والوجه الثاني أوجه وإن لم تكن الجملة عقدها من اسمين؛ لأن المعنى عليه كقوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران: ١٨]. وأما بيان النظم، فإنه تعالى لما حكى عن المشركين طعنهم في البعث والحشر بقوله: (وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً) [مريم: ٦٦]، وأجابهم ذلك الجواب العتيد، شرع في طعنهم في القرآن المجيد، وقال: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا … ) [مريم: ٧٣] الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>