لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري وابن أبى ليلى:(ثم ننجي)، بفتح الثاء، أى هناك. وقوله:(وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) دليل على أنّ المراد بالورود الجثوّ حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى
يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) [الأعراف: ٧٠]، والوذرة: قطعةٌ من اللحم، وسميت له لقلة الاعتداد بها، نحو قولهم فيما لا يُعتد به: هو لحمٌ على وضم.
فإن قلت: أي الوجهين أحسن؟ قلت: أن يراد بـ (مِنْكُمْ) ضمير جنس الإنسان رواية ودراية، أما الرواية: فكما سبق، وأما الدراية فإن (نُنَجِّي) إذا تُرك على ظاهره ليقع مقابلاً لنذر كما سبق، ويكونان كالتفصيل لقوله:(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) على إرادة الجنس، كان أحسن من التأويل وفقدان التفصيل.
فإن قلت: موقعُ "ثم" في قوله: (ثُمَّ نُنَجِّي) على ذلك الوجه أحسنُ؛ لأنها حينئذٍ لبيان التفاوت بين ورود الكافرين النار وسوق المتقين إلى الجنة، وأن أحدهما للإهانة، والآخر للكرامة.
قلت: وعلى هذا الوجه ينبني على التفاوت بين فعلِ الخلق، وهو ورودهم النار، وفعل الحق سبحانه، وهو النجاة والدمارُ - زماناً ورتبة.
قوله:(دليلٌ على أن المراد بالورود الجثو حواليها)، يعني: سبق أن المراد بالجثو إما الدخول أو الجواز على الصراط أو القرب والدنو من جهنم أو الجثو حولها، والذي يدل على ظهور الوجه الأخير قوله:(وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) لما قلنا: إن (نُنْجِي) و"نذَرُ" تفصيلٌ لقوله: (إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) فإذا قيل: (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) بمعنى: نتركهم على ما كانوا عليه، عُلم أن حال المتقين بخلافه، فيلزم اشتراكهم في الجثو. ولا بُدَّ