للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) [الذاريات: ٢٣]، والواو في: (وَالشَّياطِينَ) يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى "مع"، وهي بمعنى «مع» أوقع. والمعنى: أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة. فإن قلت: هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة، فإن أريد الأناسىُّ على العموم فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين؟ قلت: إذا حشر جميع الناس حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين. فقد حشروا مع الشياطين كما حشروا مع الكفرة. فإن قلت: هلا عزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء؟ قلت: لم يفرّق بينهم وبينهم في المحشر، وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم، وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها وخلصهم، فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطة وسرورا إلى سرور، ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم، فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغيظهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم. فإن قلت: ما معنى إحضارهم جثيا؟ قلت: أما إذا فسر الإنسان بالخصوص، فالمعنى أنهم يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف، جثاة على ركبهم، غير مشاة على أقدامهم، وذلك أن أهل الموقف وصفوا بالجثو. قال الله تعالى: (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) [الجاثية: ٢٨]، على العادة المعهودة في مواقف المقاولات والمناقلات،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معرفتهم أنهم لم يكونوا شيئاً فخلقهم وجعلهم بشراً سويا، رتب عليه الوعيد على سبيل التوكيد بقوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ … ) الآية.

قوله: (يعتلون). الأساس: عتلهُ: إذا أخذ في تلبيته فجره إلى حبس ونحوه (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) [الدخان: ٤٧].

قوله: (والمناقلات). الأساس: ومن المجاز: ناقل الشاعرُ الشاعرَ: ناقضهُ، ورجلٌ نقلٌ وذو نقلٍ: إذا كان جدلاً. وفي "الأساس": دهمتهم الخيلُ: غشيتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>