قوله تعالى:(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)[الممتحنة: ٤]، فلو كان شارطاً للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة. وأمّا (عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ)[التوبة: ١١٤]، فالواعدُ هو إبراهيمُ لا آزر، أى: ما قال (وَاغْفِرْ لِأَبِي)[الشعراء: ٨٦] إلا عن قوله: (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)، وتشهد له قراءةُ حمادٍ الرواية:(وعدها أباه). والله أعلم (حَفِيًّا)
قوله:(وأما (عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَهَا إيَّاهُ)[التوبة: ١١٤] فالواعد إبراهيم لا آزر): إبطالٌ لاستشهاد الخصوم وقولهم: إنما استغفر له لأنه وعده أن يؤمن، بدليل قوله:(ومَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَهَا إيَّاهُ)[التوبة: ١١٤] بأن الواعد هو إبراهيم لا آزر، بدليل قراءة حماد.
وقلت: أظهر منه سياق الآيات؛ لأن قوله عليه السلام:(سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) إنما صدر منه بعد فظاظة أبيه في الرد وغلظته في قوله: (لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِيًا)، فيكون هذا هو الوعد، فالواعد في قوله:(وعَدَهَا إيَّاهُ) هو إبراهيم عليه السلام، فيعلم منه ضعف قول صاحب ((التيسير)): الاستثناء في قوله: (إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)[الممتحنة: ٤] منقطعٌ تقديره: لكن (قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)؛ لأنه كان لموعدةٍ وعدها أبوه، فظن أنه قد أنجزها، فلما تبين إصراره تبرأ منه، ولا تحل لكم ذلك مع علمكم.
قوله:(ما قال: (واغْفِرْ لأَبِي)[الشعراء: ٨٦] إلا عن قوله) أي: ما صدر قوله إلا عن قوله: (لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وبسببه، كقوله:
ينهون عن أكلٍ وعن شربٍ
قوله:(قراءة حمادٍ الرواية)، قيل: حمادان، الرواية الكوفي، والراوية البصري، وهو المراد ها هنا، وتصحيفاته مشهورةٌ، من ذلك في قوله:(عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ)[الأعراف: ١٥٦]