للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص: ٥٥]، وقوله: (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان: ٦٣]، وهذا دليلٌ على جواز متاركة المنصوح والحال هذه. ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له. ألا ترى أنه وعده الاستغفار؟ فإن قلت: كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك؟ قلت:

قالوا أراد اشتراط التوبة عن الكفر، كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار والمراد اشتراط الإيمان، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ويراد اشتراط الوضوء والنصاب. وقالوا: إنما استغفر له بقوله: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء: ٨٦]؛ لأنه وعده أن يؤمن. واستشهدوا عليه بقوله تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة: ١١٤]. ولقائل أن يقول: إنّ الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع، فأمّا القضية العقلية فلا تأباه، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع، بناء على قضية العقل، والذي يدل على صحته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كما ترد الأوامر والنواهي)، قيل: النواهي مجمعٌ عليها في كونهم مخاطبين بها، وأما الأوامر فعند الشافعي رضي الله عنه أنهم مخاطبون بها بشرط الإيمان، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه أنهم مخاطبون مطلقاً، قيل: فيه نظرٌ؛ لأن التوحيد أصلٌ، فلا يجوز أن ينقلب شرطاً؛ لأن الشرط تبعٌ للمشروط، وأجيب: أن كونه شرطاً بسبب اقتضاء صحة هذا المأمور به، لا أنه شرطٌ في نفس الأمر.

قوله: (والذي يدل على صحته) أي: صحة القول بجواز الاستغفار على قضية العقل، وبطلان القول باشتراط التوبة عن الكفر: هذه الآية، وبيانه: أنه لو كان إبراهيم عليه السلام شارطاً للإيمان لم يكن استغفاره مستنكراً ومستثنىً في قوله: (إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) [الممتحنة: ٤]، فلما استثنى دل على أنه ما شرط التوبة؛ لأن الاستغفار على شريطة التوبة مستحسنٌ من كل أحد، فلا يكون منكراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>