ناصحة العجيبة مع تلك الملاطفات، أقبل عليه الشيخُ بفظاظة الكفر وغلظة العناد، فناداه باسمه، ولم يقابل (يا أَبَتِ) بـ"يا بنىّ"، وقدَّم الخبر على المبتدأ في قوله (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)؛ لأنه كان أهمَّ عنده وهو عنده أعنى، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته، وأن آلهته، ما ينبغي أن يرغب عنها أحد. وفي هذا سُلوان
قوله:(أقبل عليه الشيخ)، وفي تخصيصه تنبيهٌ على جسارة قلبه وشدة شكيمته، يعني: كان من حقه وكونه رجلاً شيخاً أن يأتي باللطف والمجاملة، لكن عكس.
قوله:(وقدم الخبر على المبتدأ). قال أبو البقاء:(أَرَاغِبٌ): مبتدأ، و (أَنتَ): فاعله أغنى عن الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على الهمزة.
وقال المالكي وغيره: إن (أَنتَ): مرفوعٌ ب (أَرَاغِبٌ)، وإلا يلزم الفصل بين (أَرَاغِبٌ) ومعموله وهو (عَنْ آلِهَتِي) بأجبني وهو (أَنتَ). وأجيب أن (عَنْ): متعلقٌ بمقدرٍ بعد (أَنتَ) دل عليه (أَرَاغِبٌ).
قال ابن الحاجب في ((الأمالي)): لا يتوهم أحدٌ أن ((أقائمٌ هو)) من قبيل ((أقائمٌ زيدٌ))، بل قائمٌ: خبرٌ ل ((هو)) مقدمٌ عليه، ولذا يقال في التثنية والجمع: أقائمان هما، وأقائمون هم؟ وعورض بنحو: أراغبٌ أنتما وأراغبٌ أنت؛ لأنه متعينٌ أن يكون ((أراغبٌ)) مبتدأ.
قوله:(وهو عنده أعنى)، أي: تقديم الخبر عند أبي إبراهيم أهم.
الأساس: عني بكذا واعتنى به وهو معنيٌ به، ومنه قول سيبويه: وهم ببيانه أعنى.
قوله:(سلوانٌ). الجوهري: السلوانة، بالضم: خرزةٌ كانوا يقولون: إذا صب عليها الماء من المطر فيشربه العاشق سلا، واسم ذلك الماء: السلوان.