لفواصل السورة ظاهراً، وكان من حقه أن يعلق بالأفعال الثلاثة، فترك تعلقه بالفعلين السابقين لذلك الغرض، فوجب تعلقه بالأخير. ثم من الوجهين الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى إرادة المبالغة.
قوله:(أغن عني وجهك)، أي: بعد وجهك عني؛ لأن الشيء إذا استغني عنه فقد ترك وبعد. قال في ((المغرب)): أغن عني كذا، أي: نحق عني وبعده. قال:
لتغني عني إنائك أجمعا
وعليه حديث عثمان رضي الله عنه في صحيفة الصدقة التي بعثها عليٌّ رضي الله عنه على يد محمد بن الحنفية:((أغنها عنا))، وهو في الحقيقة من باب القلب، كقولهم: عرض الدابة على الماء.
قوله:((قَدْ جَاءَنِي) فيه تجدد العلم عنده): بيانٌ لاتصال قوله: (يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ) بقوله: (ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) أي: لم تعبد الجماد وما لا يدفع عنك الأذى؟ وما أقول ذلك من تلقاء نفسي، ولا كنت عاملاً به قبل هذا، بل قد جاءني فيه تجدد العلم عند إمحاض نصحي هذا، فالضمير في ((فيه)) يعود إلى المذكور، ولما كان المذكور محض النصح، كان الضمير في ((عنده)) راجعاً إليه.