للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُسن الأدب؛ حيث لم يصرح بأن العقاب لا حق له وأن العذاب لاصق به، ولكنه قال: (أخاف أن يمسك عذابٌ)، فذكر الخوف والمس ونكر العذاب، وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب، وذلك أن رضوان الله أكبر من الثواب نفسه، وسماه الله تعالى المشهود له بالفوز العظيم حيث قال: (وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: ٧٢]، فكذلك ولاية الشيطان التي هي معارضة رضوان الله، أكبر من العذاب نفسه وأعظم، وصدّر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله يا (أَبَتِ)؛ توسلا إليه واستعطافا. (ما)

في (ما لا يَسْمَعُ) و (ما لَمْ يَاتِكَ) يجوزُ أن تكون موصولة وموصوفة، والمفعول في (لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ)

منسى غير منوي، كقولك: ليس به استماع ولا إبصار (شَيْئاً) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع المصدر، أى: شيئاً من الغناء، ويجوز أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقوله: (وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي) [مريم: ٤٨] (واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب: ٤].

قوله: (فذكر الخوف والمس ونكر العذاب) ثم أسنده إلى ((الرحمن)) للإيذان بأن العذاب من الموصوف بالرحمة أشد، وإليه لوح المتنبي بقوله:

فما يوجع الحرمان من كف حارمٍ … كما يوجع الحرمان من كف رازق

قوله: (وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب)، وجعل مسيس العذاب سبباً لكون الشيطان وليه ووسيلةً إلى الدخول في زمرة أشياعه.

قوله: ((شَيْئًا) يحتمل وجهين) أي: في قوله: (ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)، ولعل إيقاعه قوله: ((ويجوز أن يقدر نحوه مع الفعلين السابقين)) يعني: لا يسمع ولا يبصر، اعتراضا بين الوجهين للإشعار باختصاص النصب على المصدر فيهما دون المفعول به، كما في الوجه الثاني، لئلا يفوت إرادة الإطلاق منهما على ما سبق له. واعلم أن (شَيْئًا) جيء به مراعاةً

<<  <  ج: ص:  >  >>