قوله:(ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة)، فإن قلت: قال: رتب الكلام معه أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، ثم أتى بكلمة الترتب، وعد أربعة أنواع من النصيحة وما بين وجه الاتساق؟
قلت: وفي كلامه إشعارٌ به وتلويحٌ إليه، وبيان ذلك: أن الواجب على الداعي الناصح والطبيب الحاذق بيان الضلال، وتشخيص الداء العضال، ثم الشروع في الدواء بإزالة المرض ورد الصحة، فبين عليه السلام أولاً خطأه في ارتكاب الشنيع من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئاً، وإليه الإشارة بقوله: طلب أولاً العلة في خطابه طلب منبهٍ على تماديه، إلى آخره، فإذا تنبه المنصوح والمريض على الضلال والمرض لابد أن يطلب من المنبه طريق الإزالة، فعليه أن يوقفه على الطبيب والمرشد، وإليه الإشارة بقوله:((وعندي معرفةٌ بالهداية فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه))، فإذا أذن له عند ذلك يشرع في إزالة ما ينبغي إزالته، فيبتدئ بالأهم والأولى. ولا ارتياب في أن الشيطان هو الذي باض الضلال في بني آدم وفرح فيه من أول الزمان، وأوقعه في ورطة المهالك، وإليه الإشارة بقوله:((وهو عدوك وعدو أبيك وأبناء جنسك، وهو الذي ورطك في هذه الضلالة))، وإن الشيطان هو الذي انتصب لاستجرارهم إلى الوبال وعذاب النار في آخر الأمر، وإليه الإشارة بقوله:((ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة)) فلما لم ينجح في أبيه هذا الوعظ حيث أجاب جوابه الأحمق بقوله: (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي)، لا جرم أنه عليه السلام لما لم يتمكن من التخلية بإزالة الشرك الذي هو المرض، فأسرع في التحلية من الأمر بالتوحيد الذي هو رد الصحة التي هي فطرة الله التي فطر الناس علليها، وبمكارم الأخلاق، فطلب الاعتزال