للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آمر العقلاء وانسلخ عن قضية التمييز، ومن الغباوة-التي ليس بعدها غباوة- كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، مع استعمال المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن، منتصحا في ذلك بنصيحة ربه عز وعلا، حدّث أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: إنك خليلي، حسن خلقك ولو مع الكفار، تدخل مداخل الأبرار،

فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه، أظله تحت عرشي، وأسكنه حظيرة القدس، وأدنيه من جواري"؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (آمر العقل) معناه: العقل الآمر والفكر الصائب، وقوله: ((ومن الغباوة)) عطفٌ على ((من الخطأ)).

قوله: (أرشق مساقٍ). الأساس: غلامٌ رشيقٌ: إذا كان في اعتدالٍ ودقة، ومن المجاز: رجلٌ رشيقٌ: ظريفٌ، وخطٌّ رشيق.

قوله: (م استعمال المجاملة واللطف)، هذا الأسلوب يسمى بالاستدراج والكلام المنصف.

قوله: (منتصحاً في ذلك) إشارةٌ إلى قوله: ((رتب الكلام معه في أحسن اتساقٍ)).

اعلم أن ((حين)) في قوله: ((انظر حين أراد أن ينصح)) لا يجوز أن يكون ظرفاً لقوله: ((انظر))، إذ ليس المراد بالأمر بالنظر في ذلك الزمان، ولا يجوز أن يكون ظرفاً لقوله: ((رتب))، إذ لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله، بل هو مفعولٌ به لقوله: ((انظر) أي: انظر إلى زمان إرادته نصيحة أبيه، والمقصود من النظر في ذلك الزمان: النظر إلى ما هو فيه، لكن ذكر الزمان للإشعار بأن ذلك الزمان لغرابة ما وقع فيه، جديرٌ بأن ينظر فيه، وهذا المعنى مأخوذٌ من كلام المصنف في قوله: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ) [البقرة: ٣٤]، (وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ) [البقرة: ١٢٦]، وفي الكلام حذفٌ، وهو فعل العلم المعلق عن العمل، أي: انظر لتعلم كيف رتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>