(صِدِّيقًا) في هذا المقام بالمبالغة، يعني: إنما وصفه بقوله: (صِدِّيقًا) وقرن معه (نَّبِيًا) لأن ملاك أمر النبوة الصدق، و ((مصدق الله)) مع خبره معطوفٌ على الجملة التي قبله، واقترانه مع النبي على الوجه الأول: للتكميل، وعلى الثاني: للتتميم.
قوله:(وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين المبدل منه وبدله). قال صاحب ((الفرائد)): كون الجملة اعتراضاً بين البدل والمبدل منه بدون الواو بعيدٌ عن الطبع وع الاستعمال، والذي ذكر من النظر ليس بمستعمل، وهو مع ذلك بالواو، ويمكن أن يقال:(إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا) في مقام التعليل، كأنه قال: واذكره لقومك؛ لأنه كان صديقاً نبياًّ. ثم ابتدأ وقال:(إذْ قَالَ) أي: اذكر لهم ما قال لأبيه، كأنه بيانٌ لبعض ما يكون به صديقاً نبياًّ. والعامل في:(إذْ): (واذْكُرْ)، والوقت في هذا قائمٌ مقام المفعول به.
قلت: أما قوله: ((كون الجملة اعتراضاً بدون الواو بعيدٌ)، فكلام من لم يحقق معنى الاعتراض، وهو أن يؤتى في أثناء الكلام متصلين معنىً بجملةٍ لا محل لها من الإعراب، ومرجعه إلى التأكيد، وهو يأتي تارةً بالواو، كقوله:
إن الثمانين وبلغتها … قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وأخرى بلا واوٍ نحو قوله تعالى:(ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَنَاتِ سُبْحَانَهُ ولَهُم مَّا يَشْتَهُونَ)[النحل: ٥]، ومن القبيلين قوله تعالى:(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة: ٧٥ - ٧٦]، هذا إذا كان:(إذْ قَالَ) بدلاً من (إبْرَاهِيمَ)، وإذا تعلق ب (كَانَ) أو ب (صِدِّيقًا) كان تعليلاً.