هذا التصديق للكتب والرسل، أى: كان مصدقاً بجميع الأنبياء وكتبهم، وكان نبيا في نفسه، كقوله تعالى:(بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)[الصافات: ٣٧]. أو: كان بليغاً في الصدق؛ لأن ملاك أمر النبوة الصدق، ومُصدقُ الله بآياته ومعجزاته حري أن
واعتقاده وحقق صدقه بفعله. قال تعالى:(واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًا)[مريم: ٤١] وقال تعالى: (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ)[النساء: ٦٩]، والصديقون هم قومٌ دون الأنبياء في الفضيلة على ما بينت في ((الذريعة)).
قوله:(أو كان بليغاً في الصدق). الظاهر أنه عطفٌ على قوله:((والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به))، يعني: أن ((الصديق)) من أبنية المبالغة يجوز أن يحمل على فرط صدقه وكثرة ما صدق به، ويجوز أن يحمل على المبالغة، يدل عليه قوله في فاتحة البقرة:(بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[البقرة: ١٠] قرئ: ((يكذبون))، من كذبه الذي هو نقيض صدقه، ومن كذب الذي هو مبالغةٌ في ((كذب)). ثم قال:((أو بمعنى الكثرة))، ولما عد ها هنا أشياء في مثال الكثرة من قوله:((غيوب الله وآياته وكتبه ورسله)) أراد أن يرجح بعضاً منها على بعض بمقتضى المقام. وقال: وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل، واستدل عليه بانضمام:(صِدِّيقًا) مع (نَّبِيًا) ليوافق قوله: (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وصَدَّقَ المُرْسَلِينَ)[الصافات: ٣]، فقوله:(بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ) إشارةٌ إلى كونه نبياًّ، وقوله:(وصَدَّقَ المُرْسَلِينَ) إشارةٌ إلى كونه صديقاً، أما قوله:((أي: كان مصدقاً بجميع الأنبياء وكتبهم، وكان نبياًّ))، فهو معنى مقاربة الوصفين، أعني: صديقاً ونبياًّ، وقوله:((لأن ملاك أمر النبوة الصدق)) تعليلٌ لتفسير