(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) واذكر وقت قوله (سَوَّيْتُه) عدلت خلقته وأكملتها وهيأتها لنفخ الروح فيها. ومعنى (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي): وأحييته، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه. واستثنى إبليس من الملائكة، لأنه كان بينهم مأموراً معهم بالسجود، فغلب اسم الملائكة، ثم استثنى بعد التغليب كقولك: رأيتهم إلا هنداً. (وأَبى) استئناف على تقدير قول قائل يقول: هلا سجد؟ فقيل: أبى ذلك واستكبر عنه
قوله:(ما يحيا به فيه) المستتر في قوله: "يحيا"، والمجرور في "فيه" للبشر، وفي "به" لـ"ما"، أي معنى نفخ الروح: تحصيل شيء في قالب البشر يحيا بذلك الشيء البشر. قال القاضي (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) معناه: جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي، وأصل النفخ: إجراء الريح في تجويف جسم آخر، ولما كان الروح يتعلق أولاً بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملاً لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن، جعل تعلقه بالبدن نفخاً، وإضافة الروح إلى نفسه للتشريف، كقوله:(نَاقَةَ اللَّهِ)[الشمس: ١٣]، و"بيت الله".
وقال الواحدي: النفخ: إجراء الريح في الشيء، والروح: جسم رقيق يحيا به البدن، ولما أجرى الله الروح في بدن آدم على صفة إجراء الريح، كأنه قد نفخ الروح فيه.
وقلت: رجع أقوالهم إلى أن قوله: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) على منوال قوله تعالى: (كُنْ فَيَكُونُ)[النمل: ٤٧] في أن لا قول ثم، بل هو تصور إيجاد الشيء وتحصيله من غير امتناع.