للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنّ "السكنى" من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعدّيه بـ"في"، كقولك: قرّ في الدار وغني فيها وأقام فيها، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل: سكن الدار كما قيل: تبوّأها وأوطنها.

ويجوز أن يكون: "سكنوا" من السكون، أي: قرّوا فيها واطمأنوا طيبي النفوس، سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدّثونها بما لقي الأوّلون من أيام الله، وكيف كان عاقبة ظلمهم، فيعتبروا ويرتدعوا.

(وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالإخبار والمشاهدة (كَيْفَ) أهلكناهم وانتقمنا منهم. وقرئ: "ونبين لكم" بالنون.

(وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ويجوز أن يكون "سكنوا" من السكون)، عطف على قوله: "سكن الدار وسكن فيها" من حيث المعنى، يعني: (سَكَنتُم) في الآية: إما من السكون الذي هو بمعنى اللبث والتبوء، أو من السكون بمعنى القرار، فإن كان الأول فاستعماله بـ "في" بالنظر إلى أصل الاستعمال. لا بالنظر إلى النقل بحسب العرف، فإنهم يستعملونه بغير "في".

وقوله: "لأن "السكنى" من السكون": تعليل لقوله: "ومنه قوله تعالى: (وَسَكَنتُمْ) "، أي: (وَسَكَنتُمْ) من هذا الاستعمال، لأن"سكن الدار"- بمعنى: السكنى والتبوء- يستعمل بالجار على الأصل، وبلا جار للنقل إلى العرف، فاستعمل ها هنا بالجار.

قوله: (وكيف كان)، عطف على قوله: "ما لقي" على سبيل البيان؛ على تأويل جواب "كيف"، أي: لا يحدثونها بأحوال عاقبة ظلم الأولين من الهلاك والدمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>