وجعله إماماً، وجعل في ذريته من يقيم الصلاة، وأراه مناسكه، وتاب عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كانت الطائف من أرض فلسطين، فلما قال إبراهيم:(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ)[إبراهيم: ٣٧]، رفعها الله فوضعها حيث وضعها رزقا للحرم.
فإن قلت: يتعالى الله عن السهو والغفلة، فكيف يحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الناس به غافلاً حتى قيل:(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا)؟ قلت: إن كان خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان:
أحدهما: التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً، كقوله:(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعام: ١٤]، (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ)[الشعراء: ٢١٣]، كما جاء في الأمر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)[النساء: ١٣٦].
والثاني: أنّ المراد بالنهي عن حسبانه غافلاً، الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون، لا يخفى عليه منه شيء، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ يريد الوعيد. ويجوز أن يراد: ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون،
قوله:(الإيذان بأنه عالم بما يفعله الظالمون)، يريد: أن قوله: (غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) كناية أو مجاز في المرتبة الثانية عن الوعيد والتهديد، أي: لا تحسبن الله يترك عقابهم، لأنه جائز في كرمه ولطفه أن يعفو عنهم، لكن لابد أن يعاقبهم على القليل والكثير.
قوله:(يعاملهم معاملة الغافل)، فعلى هذا [هو] استعارة تمثيلية، كما مر في (يُخَادِعُونَ اللهَ)[البقرة: ٩].