وهو في موضع الحال، معناه: وهب لي وأنا كبير وفي حال الكبر. روي أنّ إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مئة وثنتي عشرة سنة، وقد روي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين. وإسحاق لتسعين. وعن سعيد بن جبير: لم يولد لإبراهيم إلا بعد مئة وسبع عشرة سنة، وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة بهبة الولد فيها أعظم، من حيث أنها حال وقوع اليأس من الولادة. والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجلّ النعم وأحلاها في نفس الظافر، ولأنّ الولادة في تلك السنّ العالية كانت آية لإبراهيم (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) كان قد دعا ربه وسأله الولد، فقال:(رب هب لي من الصالحين)[الصافات: ١٠٠]، فشكر لله ما أكرمه به من إجابته.
فإن قلت: الله تعالى يسمع كل دعاء، أجابه أو لم يجبه
الكتف من أعلاه، ليجذب اللحم عنه، وقيل: تؤكل من أسفلها ليسهل.
قوله:((إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) كان قد دعا ربه، وسأله الولد) إلى قوله:(فشكر لله ما أكرمه به من إجابته)، وقلت: قضية النظم أن يكون قوله: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) تعليلاً لإجابة دعائه السابق على سبيل التذييل، وأن يكون قوله:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ) تذكيراً لشكر نعمه السابقة، ووسيلة لاستجابة هذا الدعاء، فإن هذه الآية كالاعتراض بين أدعية إبراهيم عليه السلام في هذا المكان، كأنه عليه السلام يقول:"اللهم استجب دعائي في حق ذريتي في هذا المقام، فإنك لم تزل سميع الدعاء، وقد دعوتك على الكبر، وسألت أن تهب لي إسماعيل وإسحاق، فأجبت لي"، فذكره وسيلة لاستجابة الدعاء.
وفي تقييده تلك النعمة بالحمد دون إطلاقها: إشارة إلى التزام الشكر لهذه النعمة المستجدة.
قوله:(الله يسمع كل دعاء أجابه أو لم يجبه)، يعني: كيف استعمل (سَمِيعُ الدُّعَاءِ) بمعنى: مجيبه، فإنه تعالى يسمع الدعاء، أجابه أو لم يجبه؟ وما فائدة اختصاصه به؟