النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى الله تعالى (إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) تعلم السرَّ كما تعلم العلن علماً لا تفاوت فيه، لأنّ غيباً من الغيوب لا يحتجب عنك. والمعنى: أنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا منا، وأنت أرحم بنا وأنصح لنا منا بأنفسنا ولها، فلا حاجة إلى الدعاء والطلب، وإنما ندعوك إظهارا للعبودية لك، وتخشعاً لعظمتك، وتذللاً لعزتك، وافتقاراً إلى ما عندك، واستعجالاً لنيل أياديك، وولهاً إلى رحمتك، وكما يتملق العبد بين يدي سيده، ورغبةً في إصابة معروفه، مع توفر السيد على حسن الملكة. وعن بعضهم: أنه رفع حاجته إلى كريم، فأبطأ عليه النجح، فأراد أن يذكره فقال: مثلك لا يذكر استقصاراً ولا توهما للغفلة عن حوائج السائلين، ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلم فيها. وقيل:(ما نخفي) من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة، ......
قوله:(كما تعلم العلن)، أشار إلى تكرير "ما"، وأن لم يقل:"تعلم ما نخفي ونعلن"؛ ليؤذن باستقلال إيقاع العلم على كل من السر والعلن، حيث لا يتفاوت العلم فيهما.
قوله:(وقيل: (مَا تُخْفِي) من الوجد)، عطف على قوله:"تعلم السر كما تعلم العلن"، جعل (نُعْلِنُ) و (نُخْفِي) على الأول مطلقاً؛ على منوال "يعطي ويمنع" تتميماً لحسن المطلب، يعني: هذا الذي يظهر من الطلب ليس إلا التملق والرغبة إلى إصابة المعروف، لا الاستقصار والإعلام، وقريب منه قول الشاعر:
أهزك لا أني عرفتك ناسياً … لأمري ولا أني أردت التقاضيا