وفشوّ داء الضرائر بينهم، وانقلاب حماليق أحدهم إذا لمح ببصره مدرسة لآخر، أو شرذمة جثوا بين يديه، وتهالكه على أن يكون موطأ العقب دون الناس كلهم، فما أبعد هؤلاء من قوله عزّ وجل:(لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً)[القصص: ٨٣]!
(لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ): إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحاً.
ووجه آخر: وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
قوله:(وفشوا داء الضرائر بينهم): الضرائر: جمعُ ضريرة. الأساس:"من المجاز: ما أشد ضريرته عليها: غيرته، وبينهم داء الضرائر: الحسد، وامرأة ضريرة". وفيه تعبير شديد وتوبيخ عظيم، وذلك أن العلماء إذا وقع بينهم التحاسد دخلوا في حكم النساء.
قوله:(موطأ العقب دون الناس)، النهاية:"وفي حديث عمار: "أن رجلاً وشى به إلى عمر رضي الله عنه، فقال: اللهم إن كان كذب فاجعله موطأ العقب"، أي: كثير الأتباع، دعا عليه بأن يكون سلطاناً أو مقدماً، فيتبعه الناس ويمشون وراءه".
قوله:(ووجه آخر): عطف على قوله: "أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح".
والمعنى على الأول: ما ينبغي للمؤمنين، ولا يصح منهم، أن يخرجوا من أوطانهم جميعاً على المدينة، ليتفقهوا في الدين، وإذا كان كذلك فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين. فحذف من الأول:"ليتفقهوا في الدين" مع الشرط؛ لدلالة الكلام عليه.
وعلى الثاني:(لِيَتَفَقَّهُوا) علة لمعنى النهي في قوله: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا)، وعلة قوله:(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) محذوفة، المعنى: لا يصح تنفير الجميع إلى الغزو، لأن التفقه أيضاً من فروض الكفايات، وإذا كان كذلك فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة للغزو، وتبقى أعقابهم يتفقهون، حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر.