إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك، وبعد ما أنزل في المتخلفين من الآيات الشداد، استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير، وانقطعوا جميعاً عن استماع الوحي والتفقه في الدين، فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد، ويبقى أعقابهم يتفقهون، حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، لأن الجدال بالحجّة أعظم أثراً من الجلاد بالسيف.
الانتصاف:"قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً) على الأول: خبر، وعلى الثاني: معناه النهي، لأن المراد بالأول تنفير أهل البوادي إلى المدينة للتفقه، وهذا لو أمكن فعله من الجميع لكان جائزاً أو واجباً، ولما لم يُمكن فُعل على طريق فرض الكفاية، وفي الثاني فلأن المؤمنين نفروا من المدينة للجهاد، ولو أنهم نفروا أجمعين لكان ممكناً، فنهوا عن اطراح التفقه، وأمروا به أمر كفاية".
وقال القاضي:"وفيه دليل على أن التفقة والتذكير من فروض الكفاية".
وقلت: وفي توسيطها بين آيات الجهاد دليل على أن المقصود الأولي من التفقه: الإنذار والبعث على الجهاد والهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة الدين، والحذر عن أن يدخلوا في زمرة المنافقين المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:(بعث بعثاً)، الجوهري:"البعوث: الجيوش، وكنت في بعث فلان، أي: في جيشه".