للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه، علما بأنها أعزُ نفس عند الله وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدّة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيموا لها وزنا، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أمروا أن يصحبوه على البأساء والضراء)، ثم قوله: "وهذا نهيٌ بليغ": يدل على أن الآية متضمنة للأمر أو النهي؛ أما النهي فمن قوله: (مَا كَانُ)، فإن معناها: لا ينبغي ولا يستقيم ولا يصح، وهو أبلغ من صريح النهي، فإذا نهوا عن أن يتخلفوا عنه، وعن أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، وجب عليهم أن يصحبوه في البأساء والضراء، وأن يُلقوا أنفسهم ما تلقاه نفسه من الشدائد، فيكونوا مأمورين بذلك، بناء على أن النهي أمر بضده.

وإنما أفاد قوله تعالى: (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) ما ذُكر من المبالغات، لأنه تعالى عداه بالباء وبـ "عن"، قال الواحدي: "يُقال: رغبتُ بنفسي عن هذا الأمر، أي: ترفعت عنه". النهاية: "يُقال: رغبت بفلان عن هذا الأمر: إذا كرهته له وزهدت له فيه، ومنه الحديث: إني لأرغب بك عن الأذان".

وقلت: معناه أن هذا الأمر مما لا يليق بمنزلتك، لأنك أرفع قدراً من أن تُزاوله، المعنى: ما صح لهم ولا استقام أن يترفعوا بأنفسهم عن نفسه، أي: بأن يكرهوا الشدائد لأنفسهم، ولا يكرهوها له، فإنه مستهجن جداً، بل عليهم أن يعكسوا القضية، وإليه الإشارة بقوله: "ولا يقيموا لها وزناً … فضلاً عن أن يربؤوا بأنفسهم عن متابعتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>