وقيل: لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه:"ولا يصلح الكذب في جدّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه، ثم لا ينجزه، اقرؤوا إن شئتم:(وكونوا مع الصادقين)، فهل فيها من رخصة؟ ! ".
اعلم أن الخطاب في قوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ): إن كان المراد عاماً فالمناسب أن يُراد بـ (الصَّادِقِينَ): ما قال أولاً: "وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولاً وعملاً"، وإن كان الخطاب لأهل الكتاب فالظاهر أن يُراد بـ (الصَّادِقِينَ): "الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله على الطاعة"، وهذا ما عليه الصحابة رضوان الله عليهم، ولذلك قال:(رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)[الأحزاب: ٢٣]، وإن كان الخطاب لمن تخلف من الطلقاء، فالمناسب أن يُراد بـ (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) الآية: [التوبة: ١١٧]، وعلى الثالث: قوله: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) الآية [التوبة: ١١٨].
والأولى أولى الوجوه؛ لأنه كالخاتمة للآيات تشتمل على الفريقين وغيرهما، فيدخلوا فيه دخولاً أولياً من غير ترجيح، وليكون كالتخلص إلى العود إلى ما بُدئ به الكلام، وهو قوله:(مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ).
قوله:(من الطلقاء): قيل: هم السبعة الذين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية.
قوله:(فهل فيها من رخصة؟ ): يعني: لما أمر المكلف بأن يدخل نفسه في زمرة الصادقين من الأنبياء والمرسلين، وأن تكون له مساهمة فيمن صدقه نية وقولاً وعملاً، فيكون قد كلفه فيالصدق بما لا يحتمل أدنى ما يصدق عليه الكذب.