إن الآية محكمة وليست منسوخة , كما قررّ ذلك ابن عاشور بناءً على هذه القاعدة وإن لم يصرح بها إلا أن فحوى كلامه تدل عليه.
والذين قالوا: إنها منسوخة بآية المائدة , فاتهم أن آية المائدة داخلة فيها، وليست متعارضة معها في شيء؛ فإن المنخنقة والمتردية والنطيحة من الميتة، وقد اجتمعت الآيتان على تحريم الميتة , ومن الميتة ما أكله السبع فأماته , ومن الفسق الذي أهل لغير الله به: ما أهل به لغير الله، وما ذبح على النصب , أما الدم ولحم الخنزير فقد ذكرتهما الآيتان، وقيدت آية الأنعام إطلاق الدم في آية المائدة بأن يكون مسفوحاً، وهو شرط لا بد منه للتحريم.
وأما الذين قالوا: إنها منسوخة بالسنة فقد غاب عنهم أن السنة لا تنسخ القرآن إطلاقاً عند بعض الأئمة، ولا ينسخه منها إلا المتواتر عند بعضهم الآخر، والسنة التي حرمت الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير ليست متواترة، فهي لا تنسخ القرآن، ولكنها تبيينه، وهؤلاء وأولئك لم يلتفتوا إلى أن أسلوب الآية يسمح بإضافة محرمات جديدة إلى ماحرمته؛ فإن عبارة {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} تفتح الباب للتحريم بعد نزولها: بغيرها من الآيات وبالسنة؛ ذلك أن الآية مكية، ومعناها حصر المحرم إلى حين نزلت فيما ذكرته , ولعله من أجل هذا اختير الفعل من مادة الوحي ماضياً؛ ليقرر أن هذا هو الذي حرم حتى وقته (١).
(١) انظر الناسخ والمنسوخ / النحاس، ج ١، ص ٤٣٢، ونواسخ القرآن / ابن الجوزي، ج ١، ص ١٦٠، النسخ في القرآن الكريم / مصطفى زيد، ج ٢، ص ٢٥٧.