للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولعدم اختصاص أهل الكفر بسجود ظلالهم بالغدو والآصال، تنوزع في حمل المعنى في آية الرعد على الحقيقة أو المجاز بما لم يتنازع عليه في حمل تسبيح الجبال على المجاز في آية ص، حتى ذهب بعضهم إلى القول بالجمع في آية الرعد بين الحقيقة والمجاز، وعلق أبو السعود على ذلك بالقول بأنه "لايخفى ما في الشقوق من النظر" (١) ، ومنشأ النزاع يكمن في ضمير (ظلالهم) العائد ـ كما يفيده السياق في الآية - على الكفار والتعبير عن سجودها بقوله: (كرهاً) ، أمر مستغرب إذ أنى لظلالهم أن تُخص بالسجود ويتحقق فيها معنى الانقياد وأصحابها أصلاً لا يتأتى منهم سجود قط؟ وأنى لمن هذا حالهم أن يجعلوا في مقابلة من عناهم سبحانه بقوله: (ولله يسجد من السموات والأرض) وهو شامل ـ بالطبع ـ لمن أتوه طوعاً من الملائكة وصالحي الإنس والجن وهم الذين يتصور منهم السجود على جهة الحقيقة؟.

فمن قائل ممن حمل المعنى على ظاهر معناه، إن المراد حقيقة السجود فإن الكفرة حالة الاضطرار يخصونه سبحانه بالسجود كما جاء في قوله تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين.. العنكبوت/٦٥) ، ومن قائل بجواز أن يخلق الله في الظلال أفهاماً وعقولاً تسجد بها لله كما خلقها للجبال حين اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثار التجلي كذا ذكره ابن الأنباري، ومن قائل: إنه عبر بالطوع عن سجود الملائكة عليهم السلام والمؤمنين، وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام فراح يسجد لله نفاقاً.


(١) ينظر تفسير أبو السعود ٥/١٢ مجلد٣.

<<  <   >  >>