بيد أن هذه الأقوال جميعاً يعكر صفوها مساقُ الآية، فهي تنبئ بأن العالم كله مقهور لله خاضع لما أراده منه، مقصور على مشيئته لايكون منه إلا ما قدر، وأن الذين يعبدون غيره ويقصدون سواه كائنا من كانوا داخلين تحت القهر، ويدل على هذا تشريك ظلالهم في السجود، وهي ليست أشخاصاً يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة، ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى في الإمداد والتقلص والفيئ والزوال فهو يصرفها حسبما أراد، كما قال:(أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله.. النحل/٤٨) ، غاية ما هنالك أن في ذكرها إشعار بأنها بريئة منهم ومن فعالهم القبيحة، وفي ذلك إعلام على عظمة الخالق جلّ وعلا الذي دانت له المخلوقات بأسرها وخضع له كل شيئ.
كما يعكر صفو القول باختصاص سجود الكافر حال الضرورة والشدة لله سبحانه أن ذلك لا يجدي، فإن سجوده للصنم حال الاختيار والرخاء مخل بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور في قوله:(وله يسجد من في السموات والأرض.. الرعد/١٥) ، وقوله:(ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة.. النحل/٤٩) ، ويلحق بالكافر فيما ذكرنا المنافق الذي لم يخلص في سجوده لله، كذا يعكر صفو القول بأن الله يخلق في الظلال أفهاماً وعقولاً تدرك معنى السجود وتفعله، وقياسها في ذلك على الجبال، أن الجبال يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة أما الظلّ فعَرضٌ لايتصور قيام الحياة به، وإنما يكون سجوده بميله من جانب إلى جانب واختلاف أحواله ـ سيما في الوقتين اللذين يظهر فيهما ذلك بوضوح ـ كما أراد سبحانه.