للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى نحو ما كانت دلالة التسبيح في حق نبي الله داودعليه السلام مجازية، كذا كانت دلالته في حق الجبال مجازية أيضاً، وهذا من البداهة بمكان، بلْه أن المجاز في حق داود منصرف كما قلنا إلى معنى الصلاة، لكون التسبيح جزءاً منها فهي علاقة جزئية لمجاز مرسل ... بينا هو في حق الجبال له دلالة مغايرة، فهو تجوز عن التسخير والانقياد وإن كان تسخيراً وانقيادًا يحمل معنى الطواعية على ما يدعو إليه نسق الآية ويدل عليه قوله سبحانه: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين.. فصلت/١١) ، فالفعل (يسبح) الواقع من نبي الله داودعليه السلام والموصوف به الجبال، مستخدم في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب، ومستعمل في حقهما بمعناه المجازي، وإن اختلفت دلالة المجاز فيهما كلٌّ بحسبه.

ونظير هذا في الحمل على المجاز والقول به جعل التسبيح بمعنى الترجيع، فإن التأويب (١) الذي جاء مرادفاً للتسبيح هو في اللغة بمعنى الترجيع وترديد الصوت، وعليه فتكون الجبال الشامخات قد أمرت من قِبَل القادر المقتدر سبحانه أن تُرجِّع معه وتجيبه بأصواتها وتسبح تبعاً له واقتداءً به، ويكون المراد من الآية، الإخبار بـ"أنه تعالى سخر الجبال معه عند إشراق الشمس وآخر النهار، كما قال عز وجل (ياجبال أوبي معه والطير.. سبأ/١٠) " (٢) ، "وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور، لايستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه" (٣) .


(١) مصدر آب بمعنى رجع، ويجوز فيه: أوباً وأوبة وأيبة وإياباً ومآباً [ينظرلسان العرب ١/١٦٦مادة (أوب) ، كما ينظر٣/١٥٩١مادة (رجع) ] .
(٢) تفسير ابن كثير٤/٢٩.
(٣) السابق وينظر ٣/٥٤٣.

<<  <   >  >>