للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والقول بهذا أيّاً ما كان الأمر فيه يقتضي أن يكون الخطاب موجهاً - بالطبع - إلى المؤمنين (١) ، ومناسبة ذلك مع سابقه أنه سبحانه لما وعدهم بحسن مصيرهم فى قوله قبل: (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم فى روضة يحبرون.. الروم/١٤، ١٥) .. لقَّنهم شكر نعمته بإقامة الصلوات في أجزاء اليوم والليلة (٢) ، و (سبحان) على هذا مصدر واقع بدل فعل الأمر بالتسبيح، والتقدير (فسبحان الله سبحاناً) وعليه تُخرّج رواية نافع بن الأزرق سالفة الذكر، ويكون المراد بقوله (سبحان) أمر بأن يقولوا (سبحان الله) وهو مجاز كما قلنا عن الصلاة، أو كناية عنها، لأن الصلاة تشتمل على قول (سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي الأعلى) .

وقد حدا القول بجعل المراد من التسبيح في آية الروم التنزيه وحمل الأمر على ظاهره خلافاً لما ذكرنا من حملٍ وتوجيه خطاب ... حدا أصحابه القائلين به لأن يتعسفوا ويجعلوا الخطاب في قوله (تمسون) و (تصبحون) و (تظهرون) تابعاً للخطاب الذي قبله في قوله: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون.. الروم/١١) ، فيكون بهذا خطاباً موجهاً للمشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون. أولم يسيروا في الأرض فينظروا.. الروم/٨، ٩) ، ويكون المقصود من قول (سبحان الله) إنشاء تنزيه لله عما نسبوه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم، وإنشاء ثناء عليه.. علماً بأن هذا الخطاب يفصل بينه وبين الأمر بالتسبيح بالإمساء والإصباح خمس آيات، وفي ذلك فضلاً عما دلت القرائن والآيات على نقيضه، من البعد والتكلف ما لا يخفى.


(١) وليس موجهاً - كما زُعم- إلى المشركين على طريقة الالتفات على ما سنذكر.
(٢) ينظر التحرير ٢١/٦٦ مجلد ١٠.

<<  <   >  >>