للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد ناقض الفخر الرازي نفسه تناقضاً شديداً حين ألمع في موطن آخر إلى أن التسبيح في آية الروم عينها مراد به الصلاة، بل راح - وهو الذى تعصب بشدة لحمل المعنى فيها على ظاهره- راح يستدل بها ويجعلها عمدة في الاحتجاج على إفادة التسبيح لمعنى الصلاة. فقد ذكر في تفسيره لقول الله تعالى مخاطباً نبيه زكريا عليه السلام: (واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار.. آل عمران/٤١) ، أن قوله: (وسبح) المراد منه (وصلِّ) لأن الصلاة تسمى تسبيحاً، قال تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) - واستطرد يقول مفصحاً عن علة مجازيتها – وأيضاً الصلاة مشتملة على التسبيح، فجاز تسمية الصلاة بالتسبيح" (١) .

فما يكون موقف الآلوسي من هذا ياترى وهو الذى كان ينبغي عليه أن يأخذ هذا الكلام ويبني عليه موقفه متكئاً على ما ورد من الآثار، بدل أن يقول: "وأنا بالإمام اقتدى فى دعوى أولوية الحمل على الظاهر" (٢) ، وبدل أن يتكلف له ويبني عليه رأيه مكرراً ومؤكداً على ما ذكره الفخر وقائلاً: "واختار الإمام الرازي حمل التسبيح على التنزيه فقال: إنه أقوى والمصير إليه أولى لأنه يتضمن الصلاة" (٣) ، على الرغم من بطلان هذا الادعاء، وأن العكس من ذلك هو الصحيح؟

على أن قولنا المدعوم بالقرائن وبالآثار التى تقطع بمفاد التسبيح في حق آية الروم وما يجمل حمل معناه عليه بمعونة السياق، لا يمنعنا بحال – إحقاقاً للحق - من التسليم بما ذكره ابن عاشور من أن ما ذكر بهذا الصدد لا يعنى أن الصلوات الخمس وأوقاتها هى المراد تحديداً من الآية، أو أن الآية نص قطعي فيها وفي تحديد أوقاتها، ولكن نقول بأن الآية الكريمة "نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرأن لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السُّبحة فلا يطلق عليها: سبحان الله" (٤) .


(١) الرازي ٤/٢٠٥.
(٢) الآلوسي ٢١/٤٤ مجلد ١٢.
(٣) السابق وينظر الرازي ١٢/٤٤٧.
(٤) ينظر التحرير ٢١/٦٦ مجلد ١٠.

<<  <   >  >>