للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ الْإِحْرَامِ بِمَا يُمْكِنُهُ [وَالْتِزَامِهِ «١» لَهُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، الْوَقْتُ الَّذِي يَجُوزُ لِلْحَاجِّ التَّحَلُّلُ بِمَا يُمْكِنُهُ] الْإِتْيَانُ بِهِ [فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ [«٢»]. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ"" مَا" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيْ فَالْوَاجِبُ أَوْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نصب، أي فانحروا أو فاهدوا. و" فَمَا اسْتَيْسَرَ" عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ شَاةٌ. وَقَالَ ابن عمر وعائشة وابن الزبير:" فَمَا اسْتَيْسَرَ" جَمَلٌ دُونَ جَمَلٍ، وَبَقَرَةٌ دُونَ بَقَرَةٍ لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعْلَى الْهَدْيِ بَدَنَةٌ، وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ، وَأَخَسُّهُ شَاةٌ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِقَوْلِهِ:" فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مِنَ الْهَدْيِ" الْهَدْيُ وَالْهَدِيُّ لُغَتَانِ. وَهُوَ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كَمْ هَدِيُّ بَنِي فُلَانٍ، أَيْ كَمْ إِبِلُهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سُمِّيَتْ هَدْيًا لِأَنَّ مِنْهَا مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَسُمِّيَتْ بِمَا يَلْحَقُ بَعْضُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ" «٣». [النساء: ٢٥]. أَرَادَ فَإِنْ زَنَى الْإِمَاءُ فَعَلَى الْأَمَةِ مِنْهُنَّ إِذَا زَنَتْ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرَّةِ الْبِكْرِ إِذَا زَنَتْ، فَذَكَرَ اللَّهُ الْمُحْصَنَاتِ وَهُوَ يُرِيدُ الْأَبْكَارَ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَكُونُ فِي أَكْثَرِهِنَّ فَسُمِّينَ بِأَمْرٍ يُوجَدُ فِي بَعْضِهِنَّ. وَالْمُحْصَنَةُ مِنَ الْحَرَائِرِ هِيَ ذَاتُ الزَّوْجِ، يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّجْمُ إِذَا زَنَتْ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَبَعَّضُ، فَيَكُونُ عَلَى الْأَمَةِ نِصْفُهُ، فَانْكَشَفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يُرَادُ بِهِنَّ الْأَبْكَارُ لَا أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الحجاز وبنو أسد يخفون الْهَدْيَ، قَالَ: وَتَمِيمٌ وَسُفْلَى قَيْسٍ يُثَقِّلُونَ فَيَقُولُونَ: هَدِيُّ. قَالَ الشَّاعِرُ:

حَلَفْتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالْمُصَلَّى ... وَأَعْنَاقِ الْهَدْيِّ مُقَلَّدَاتِ

قَالَ: وَوَاحِدُ الْهَدْيِ هَدْيَةٌ. وَيُقَالُ فِي جَمْعِ الْهَدْيِ: أَهْدَاءٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" فِيهَ سَبْعُ مَسَائِلَ:


(١). الزيادة عن كتاب" المنتقى" للباجى يقتضيها السياق.
(٢). الزيادة عن كتاب" المنتقى" للباجى يقتضيها السياق.
(٣). راجع ج ٥ ص ١٤٣.