للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْعَجَبُ سَوَاءٌ. وَقَدْ فَرَّقَ الْخَلِيلُ بَيْنَ عَجِيبٍ وَعُجَابٍ فَقَالَ: الْعَجِيبُ الْعَجَبُ، وَالْعُجَابُ الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّ الْعَجَبِ، وَالطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ طُولٌ، وَالطِّوَالُ، الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّ الطُّولِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَجِيبُ الْأَمْرُ الَّذِي يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْعُجَابُ بِالضَّمِّ، وَالْعُجَّابُ بِالتَّشْدِيدِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأُعْجُوبَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:" عُجَّابٌ" لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَيْهِ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَ رَأْسِ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ، قَالَ: وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طالب، فقال: يا بن أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ:" يَا عَمِّ إِنَّمَا أُرِيدَ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْجِزْيَةَ الْعَجَمُ" فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" قَالَ: فَقَالُوا" أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً" قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ:" ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ" حَتَّى بَلَغَ" إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ" خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقِيلَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَقَّ عَلَى قُرَيْشٍ إِسْلَامُهُ فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بابن أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَسْأَلُونَكَ السَّوَاءَ، «١» فَلَا تَمِلْ كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى قَوْمِكَ. قَالَ:" وَمَاذَا يَسْأَلُونَنِي" قَالُوا: ارْفُضْنَا وَارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعَكَ وَإِلَهَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَتُعْطُونَنِي كَلِمَةً وَاحِدَةً وَتَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ" فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لِلَّهِ أَبُوكَ لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَنَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَامُوا، فَقَالُوا:" أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً" فَكَيْفَ يَسَعُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى قوله:" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ" [ص: ١٢]


(١) في نسخ الأصل: يسألك ذا السوء. وفى أبى المسعود: يسألونك السواء والانصاف. وفي البيضاوي كما في الكشاف: يسألونك السؤال. وعلق عليه الشهاب بقوله: والظاهر أنه تحريف وأنه السواء أي العدل كما وقع في غيره من التفاسير.