٨ ـ ظهرت مؤسسات بيروقراطية قوية (حكومية وغير حكومية) تولت كثيراً من الوظائف التي كانت تتولاها الأسرة في الماضي، وتقوم بعملية الاختيار بالنيابة عن الإنسان الفرد الأمر الذي يعني تَزايُد ضمور الحس الخلقي وانكماش ما يُسمَّى «رقعة الحياة الخاصة» .
٩ ـ كانت هذه المؤسسات ترى نفسها ذاتاً مطلقةً تُعبِّر عن مصلحة الدولة (التي تُعبِّر عن إرادة الشعب) وقد جعلت جل همها أن تنفِّذ المطلوب منها تنفيذه بأقل التكاليف وأكثر الوسائل كفاءة، دون أخذ أية اعتبارات خُلقية في الاعتبار.
١٠ـ تزايدت معدلات الترشيد والتنميط والميكنة وهيمنة النماذج الكمية والبيروقراطية على المجتمع بكل ما ينجم عن ذلك من ترشيد للبيئة المادية والاجتماعية وترشيد للإنسان من خارجه وداخله.
١١ ـ تَصاعَد نفوذ مؤسسات الدولة المركزية «الأمنية» البرانية والجوانية وزادت مقدرتها على قمع الأفراد وتوجيههم «وإرشادهم» من الداخل والخارج. ورغم أهمية مؤسسات القمع المباشر البراني مثل المخابرات والبوليس السري، إلا أن المؤسسات الأمنية الجوانية، مثل المؤسسات التربوية والإعلام، كانت تفوقها في الأهمية. فإذا كانت المؤسسات البرانية تقوم بتوجيه الفرد بغلظه من الخارج، فالمؤسسات الثانية تقوم بترشيده من الداخل ببطء وبشكل روتيني يومي لا يشعر هو به حتى يصل به الأمر إلى تَمثُّل، ثم استبطان، رؤية الدولة تماماً، فينظر إلى الواقع من خلال عيونها دون حاجة إلى قمع خارجي، ويحيِّد ذاته وحسه الخلقي، ويصبح المجتمع أو الدولة أو العلم الطبيعي المصدَر الوحيد للقيمة المطلقة، وفي نهاية الأمر ينظر إلى نفسه باعتباره جزءاً من آلة كبرى، وتصبح مهمته الأساسية، وربما الوحيدة، هي التكيف البرجماتي مع دوران الآلة.