٥ ـ تزايدت معدلات النسبية المعرفية، فعالم الطبيعة/المادة هو عالم حركي لا ثبات فيه ولا حدود، بحيث أصبح الإنسان يشك في وجود أية حقيقة يقينية. وهذا الشك لا ينصرف إلى الحقيقة وحسب وإنما إلى الموضوع ثم إلى الذات. وقد انتهى الأمر بالفلسفة الغربية إلى إنكار الكليات والميتافيزيقا وظهرت الفلسفة المعادية للفلسفة والميتافيزيقا وأي شكل من أشكال الثبات، بما في ذلك ثبات الطبيعة البشرية. وهي فلسفة النسبية المعرفية الكاملة التي تصل إلى حالة من السيولة الكاملة وتنكر الذات والموضوع والمركز ومفهوم الطبيعة البشرية وإمكانية المعرفة والأخلاق وأي شكل من أشكال المعيارية (ما بعد الحداثة) . ورغم أن النازية تسبق ظهور ما بعد الحداثة بعدة أجيال إلا أن كثيراً من العناصر التي أدَّت إلى ظهور ما بعد الحداثة كانت قد تشكلت وتبلورت وكانت الفلسفة الغربية قد دخلت عصر السيولة. ولعله ليس من قبيل الصدفة أن هايدجر، بنزعته النيتشوية، والذي خرجت ما بعد الحداثة من تحت عباءته، أيَّد النازية بلا تحفظ، وكان النازيون يعتبرونه فيلسوفهم.
٦ ـ تَزايُد معدل انفصال الحقائق والعلم الطبيعي عن القيمة، والتجريب عن العقل، بحيث أصبح التجريب، المنفصل عن أية غائيات إنسانية أو أخلاقية، هدفاً في حد ذاته. وترجم هذا نفسه إلى ما يُسمَّى العلم المحايد، المتجرد تماماً من القيمة. ولكن هناك دائماً من يقرر القيمة ونوعية التجارب التي ستُجرى.
٧ ـ تعاظمت قوة الدولة المركزية وهيمنتها وتحويلها ذاتها إلى مطلق، ومن ثم أصبح الدفاع عن مصلحة الدولة القومية (ظالمة كانت أم مظلومة) مسألة لا تقبل النقاش ولا تخضع لأية معيارية، والانحراف عن هذا الهدف النهائي المطلق هو الخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام. ويُلاحَظ أن مصطلحات مثل «مصلحة الدولة العليا» ليس لها مضمون أخلاقي، وتَقبُّلها يعني تَقبُّل المجردات غير الإنسانية.