للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: إنه سأل اللَّهَ الرؤية، فقال له: {لَنْ تَرَانِي}، وقال للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦] قال له: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٦٧] فصار جوابه (لن) من الحقِّ ومن الخَلق؛ ليبقى موسى بلا موسى، ويصفوَ موسى عن كلِّ نصيبٍ لموسى من موسى (١)، وأنشدوا:

أبَنِي أَبِينا نحنُ أهلُ منازلٍ... أبدًا غرابُ البَيْنِ فينا يَنْعِقُ

قال (٢): والبلاء الذي ورد عليه بقوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} أشدُّ من قوله: {لَنْ تَرَانِي}؛ لأنه صريحٌ في الردِّ، وفي اليأس راحةٌ، وقوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} هذا إطماعٌ فيما مُنعه، فلما اشتدَّ توقُّعه جُعل الجبل دكًّا، وكان قادرًا على إمساك الجبل، لكنه قهرُ الأحباب، وبه سبَق الكتاب.

وفي قوله: {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} بلاءٌ شديد لموسى؛ لأنَّه مُنع عن رؤية مقصوده وأُمر برؤية غيره، ولو أُمر في أن يُغمض عينيه ولا ينظرَ إلى شيءٍ بعده لكان الأمرُ أسهلَ عليه، ولكنه قيل له: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}.

ثم أشدُّ من ذلك أن الجبل أُعطي التجلِّيَ ثم أُمر موسى عليه السلام بالنظر إلى الجبل الذي قدِّم عليه في هذا السؤال، وهذا صعبٌ شديد، ولكن موسى عليه السلام رضي به وانقاد لحكمه، وفي معناه أنشدوا:

أريدُ وصاله ويريدُ هَجْري... فأتركُ ما أُريدُ لِمَا يُريد


(١) في (ف): "بموسى" بدل: "من موسى"، وليست في (أ)، والمثبت موافق لما في "اللطائف".
(٢) "قال": ليس من (ف).