للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجيءَ المغلوبين (١)، جاء موسى بلا موسى، جاء موسى ولم يَبق من موسى شيءٌ لموسى، وآلافُ آلافِ رجال (٢) قطعوا مسافاتٍ وتحمَّلوا مخافاتٍ فلم يذكرهم أحد، وهذا موسى خَطَا خطواتٍ وإلى القيامة يقرأ الصبيان: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}.

ولما جاء موسى باسَطَهُ الحقُّ بالكلام، فلم يتمالك أن (٣) قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فإن غلباتِ الوَجْد استنطقَتْه بطلَب كمال الوُصلة من الشهود، وقد قالوا:

وأَبرحُ ما يكونُ الشوقُ يومًا... إذا دَنَتِ الخيامُ من الخيامِ

وقالوا: لا يؤاخَذُ المغلوب بما يقول، وقالوا: إنه لا يَشكر مَن يُنكر (٤).

قال (٥): و [يقال]: أشدُّ الخلق شوقًا إلى الحبيب أقربهم من الحبيب، هذا موسى وقف في محلِّ المناجاة، وحَفَّت به الكرامات، وكلَّمه بلا واسطةٍ ولا جهات، قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} كأنه غائبٌ وهو شاهد، ولكنْ ما أزداد القومُ شربًا إلا ازدادوا عطشًا، ولا ازدادوا قربًا إلا ازدادوا شوقًا.

وقال: سأل موسى الرؤيةَ بالكلام فأُجيب: {لَنْ تَرَانِي} بالكلام، وأَسرَّ المصطفى في قلبه ما كان يرجُوه من تحويل القبلة من ربِّه فقيل له: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤].


(١) في "اللطائف": (المهيَّمين).
(٢) في (أ): "وألف ألف رجل". ولفظ "اللطائف": (آلاف الرجال).
(٣) في (أ): "إذ".
(٤) في (ر) و (ف): "لا يشكر ثم ينكر". ولم ترد هذه العبارة في مطبوع "اللطائف".
(٥) في (أ): "قالوا".