للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهم ينظرون إليها صاعدةً، ويَنظرون إلى ظلِّها حتَّى توارَتْ، فاستَغنى كلُّ فقيرٍ (١) أكلَ مِنها يومئذٍ حتَّى مات، وبَرِئ كلُّ مبتلًى، فلم يَزل صحيحًا عتيًّا حتَّى مات.

وندمَ الحوارُّيون وسائرُ الناس ندامةً شابَت منها (٢) حواجبُهم وأشفارُ أعينِهم (٣)، فكانت إذا نزلت بعد ذلك، أقبلوا إليها مِن كلِّ مكانٍ يَسعون، يُزاحِمُ بعضُهم بعضًا؛ الأغنياءُ والفقراء، والنِّساء والرِّجال، والصِّغارُ والكبار، وكلُّ صحيحٍ ومريضٍ، يَركبُ بعضُهم بعضًا، فلمَّا رأى ذلك عيسى، جعلها نوائب بينهم، ثم كانَت بعد ذلك تَنْزِلُ غِبًّا (٤)؛ تَنزِلُ يومًا، ولا تنزل يومًا، كناقة صالح (٥) ثمود، ترعى يومًا وتَرِدُ يومًا، فلَبثوا بعد ذلك أربعين يومًا، تَنزِلُ ضحًى، فلا تَزالُ موضوعةً يُؤكلُ منها، فإذا فاء الفيء (٦)، ارتفعَت صاعدةً في (٧) السَّماء يَنظرون إليها وإلى ظلِّها في الأرض، حتَّى تَتوارى عنهم.

ثمَّ أوحى اللَّهُ تعالى إلى عيسى عليه السلام: أن اجْعَل مائدتي ورزقِي لليَتامى والزَّمْنى والفُقراء، دون الأغنياءِ مِن النَّاس، فتَعاظَم ذلك عند الأغنياء، وأذاعوا القبيحَ، وارتابوا، وشكَّكوا النَّاسَ فيها، حتَّى وقعَت الفتنةُ في قلوبِ المرتابين، وحتَّى قال قائِلُهم: يا روحَ اللَّه وكلمتَه، إنَّ المائدةَ لحقٌّ أنَّها تَنزِلُ مِن عند ربنا؟ فقال عيسى عليه السلام: ويْلَكُم هَلَكتُم، العذابُ نازِلٌ بكم، إلَّا أنْ يَعفو اللَّهُ عنكم (٨) ويرحم.


(١) في (ف): "من".
(٢) لفظ: "منها" من (ف).
(٣) وقع في "تفسير ابن أبي حاتم" (٧٠٤٠): "سألت منها أشفاءهم" كذا وهو تحريف، ونص العبارة في "العظمة" و"الدر المنثور" (٥/ ٥٩٦): "سالت منها أشفارهم".
(٤) قوله: "تنزل غبًا" ليس في (ف).
(٥) قوله: "صالح" من (أ).
(٦) في (ف): "اكتفوا"، بدل: "فاء الفيء". وفي "تفسير ابن أبي حاتم" و"العظمة": "إذا قاموا"، وفي "الدر المنثور": "إذا قالوا"، والمثبت موافق لما في "فوائد" أبي بكر الشافعي.
(٧) في (ف): "إلى".
(٨) لفظ: "عنكم" من (ف).