للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأوحى اللَّهُ تعالى إلى عيسى أنِّي آخِذُهُم بشَرطي الذي اشترطتُ عليهم، وأنِّي معذِّبٌ مِنهم مَن كفرَ بعد نزولِها عليهم بعذابٍ لا أعذِّبُه أحدًا من العالمين.

فقال عيسى عليه السَّلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فأخبرَهم بنزولِ العذابِ عليهم، فمسخَ اللَّه تعالى منهم ثلاثةً وثلاثين رجلًا -وفي روايةٍ: ثلاثَ مئة وثلاثة وثلاثين رجلًا- خنازيرَ فأصبحوا يَأكلون العَذِرة في الحُشوش ويتبعون الزِّبلَ في الطُّرق.

وكانوا باتوا أوَّل اللَّيلِ على فُرُشِهم مع نسائِهم في دورِهم آمِنين، في أحسنِ صورةٍ وأحسن رزقٍ، فأصبَحوا خنازيرَ، فأصبحَ النَّاس ومَنْ بقيَ منهم فَزِعين خائفين مِن عقوبةِ اللَّه تعالى، وعيسى عليه السَّلام يَبكي ويَتضرَّعُ، وأهلوهم يَبكون معه عليهم، وكانت الخنازيرُ تَسعى إلى عيسى عليه السلام إذا أبصرَتْهُ، ويَطيفون حولَه (١)، ويَنظرون إليه، ويَشمُّون ريحَهُ، ويَسجدون له، وأعيُنُهم تَسيلُ دموعًا، لا يَستطيعون كلامًا، ويَقومُ عيسى عليهم، فيناديهم بأسمائِهم (٢): يا فلان ويا فلان، فيقول برأسه: نعم، فيقول: ألمْ أُنذِركم عقوبةَ اللَّه وأُحذِّركُم؛ فيقولون برؤوسهم: نعم، وذلك قولُه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية [المائدة: ٧٨]، وأنزلَ اللَّهُ تعالى على نبيِّه محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسلام: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} [الرعد: ٦].

ثمَّ إنَّ عيسى عليه السلام سألَ ربَّه أنْ يُميتَهُم، فأماتَهُم اللَّهُ بعد ثلاثةِ أيَّام، فما رأى أحدٌ مِن النَّاس لهم جِيفةً في الأرض، غير أنَّ العقوبةَ إذا نَزلَت مِن السَّماء استأْصَلَت (٣).


(١) في (ف): "به".
(٢) بعدها في (ر): "فيقول".
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٢٤٤ - ١٢٤٥، ١٢٤٦ - ١٢٤٧، ١٢٤٩ - ١٢٥٠، ١٢٥١) (٧٠١٩) (٧٠٢٠) (٧٠٢٩) (٧٠٤٠) (٧٠٤٢) (٧٠٤٤)، وأبو بكر الشافعي في "فوائده" (١٠٩٧)، وأبو الشيخ في "العظمة" (٩٩٩)، وذكره أبن كثير في "تفسيره" عن ابن أبي حاتم، وقال: هذا أثر غريب =