للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقام عيسى وتوضَّأ وضوءًا حَسَنًا وصلَّى صلاةً حسنةً، وبكى بُكاءً طويلًا، ثمَّ أقبلَ حتَّى جلسَ عند السُّفرةِ، ثمَّ قال: بسمِ اللَّهِ خيرِ الرَّازقين، وكشفَ المنديل، فإذا سمكةٌ مشويَّةٌ، ليس لها فلوسٌ، ولا فيها شوكٌ، يَسيلُ السَّمنُ مِنها سيلانًا، وقد وُضِع (١) حولها من ألوانِ البُقول إلَّا الكرَّاث، وخلٌّ عندَ رأسِها، ومِلْحٌ عند ذنبِها، و [حول البُقول] خمسةُ (٢) أرغفةٍ، على كلِّ رغيفٍ زيتونٌ وخمسُ رمانات وتميرات (٣).

فقال شمعون وهو رأسُ الحواريين: يا روحَ اللَّه وكلمتَهُ، أمِنْ طعامِ الدُّنيا هذا، أم مِن طعامِ الجنَّة؟ فقال عيسى: ما أخوَفني عليكم أن تُعاقبوا، فقال شمعون: لا وإلهِ بني إسرائيلَ، ما أردتُ بما سألتُك عنه سوءًا، فقال عيسى: نزلَتْ وما عليها مِن السَّماءِ شيءٌ، وليس شيءٌ مِنها مِن طعام الدُّنيا، ولا مِن طعامِ الآخرة، وهو ممَّا ابتدعَهُ اللَّهُ تعالى بالقُدرةِ البالغة، فقال له: كن، فكان، فكُلوا ممَّا سألتُم، واذكروا اسمَ اللَّهِ عليه، واحمَدوا إلهَكم، واشكروهُ يَزِدكُم؛ فإنَّه القادرُ على ما يَشاء.

فقال الحواريُّون: يا روحَ اللَّه، كُن أنت أوَّلَ مَن يأكلُ مِنها، ثمَّ نأكلُ نحن، فقال عيسى: معاذَ اللَّه، بل يَأكلُ مِنها الذي سألَها وطلبَها، وفَرِقَ الحواريُّون أن يكون نزولُها سُخْطةُ، وفيها مُثْلَة، فلم يأكلوا منها، فدعا عيسى عليه السَّلام أهلَ الفاقةِ والزَّمانةِ، مِن العميانِ والمجذومِين والمختَلِّين والمجانين، ونحوِ ذلك مِن أنواعِ أهل البلاء مِن النَّاس، فقال: كُلوا مِن رزقِ ربِّكم، ودعوةِ نبيِّكم، وآيةً (٤) مِن ربِّكم، وليَكن مَهنؤها لكم، وبلاؤها لغيركِم، فأكَلوا، فصدرَ عن تلك السَّمكةِ والطَّعامِ ألفٌ وثلاثُ مئةٍ؛ ما بين رجلٍ وامرأةٍ شباعًا، مِن بين فقيرٍ جائع، وذي فاقَةٍ وعيب، فنظرَ عيسى إلى السُّفْرةِ، فإذا هي كهيئتِها حين نزلَت مِن السَّماء، ثمَّ رُفِعَت إلى السَّماء،


(١) بعدها في (ر): "خوانًا".
(٢) لفظ: "خمسة" ليس في (ف)، وما بين حاصرتين من المصادر.
(٣) في المصادر: "على واحد منها زيتون وعلى الآخر ثمرات وعلى الآخر خمس رمانات".
(٤) في (ف): "وإنه".