للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الضحاك: إنَّ أهلَ مكة قالوا: يا محمَّد، إنَّ كسرى ينام على فُرُش الدِّيباج والحرير، ويأكل ويشرب في (١) آنية الذَّهب والفضَّة، فإنْ كنتَ رسولًا فأينَ الملكُ؟! لا نرى على رأسِك تاجًا كتاجِ كسرى وقيصر، ولا نرى لك سريرًا كسريرهم، ولا ديباجًا ولا (٢) حريرًا كديباجهم وحريرهم، فأَنزل اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ، وأَمره بأنْ (٣) يقول: {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} (٤)؛ أي: تعطي ملكَ الدُّنيا مَن تشاء أنْ تعطيَه، وقوله تعالى: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}؛ أي: تأخذ (٥) وتسلب وتصرف ممَّن تشاء أنْ تنزعَه منه، وهو المحذوف مِن الأول والثاني دلَّ عليه المذكور في صدرهما.

وقوله تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ}؛ أي: بما تعطيه مِن الأموال والخَدَم والأنصار وسائرِ أسباب العزِّ والكرامة.

وقوله تعالى: {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} إذلالَه بأضدادها.

وقوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أي: أنتَ مالكُ الخير والقادرُ عليه في الدنيا والآخرة، وإنَّما خصَّ الخير بالذِّكر دون الشَّرِّ -وإن كان هو مالكَهما- لأنَّه موضعُ المدح والثناء والرغبة والدُّعاء، فكانت إضافةُ الخير إليه أقربَ (٦) إلى مراعاة الأدب.

وقيل: هو مِن باب الاكتفاء (٧)، ومعناه: بيدك الخيرُ والشَّرُّ، وهو كما قال في


(١) في (أ): "من".
(٢) "لا": زيادة من (أ).
(٣) في (ف): "أن".
(٤) انظر: "تفسير السمرقندي" (١/ ٢٢٩).
(٥) في (أ): "تأخذه".
(٦) في (أ): "فيه".
(٧) الاكتفاء: أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة، ويختص غالبًا بالارتباط العطفي كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}؛ أي: والبرد، وخصص الحر =