للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقدَّم في الإِمامة الكبرى من كان جامعاً لخصال عظيمة، بها تحصل منه سياسةُ الخَلْق، (٢٨٨)


= قال القرافي: "قاعدة الشرع أنَّهُ يقَدَّم في كل موطن وكُلِّ ولاية مَن هو أقْوَمُ بمصالحها". فيقدَّم في ولاية الحرب من هو أقوَمُ بمصالح الحروب من سياسة الجيوش ومكايد العدو. ويقدَّم في القضاء من هو أكثر تفطَّناً لحجاج الخصوم وقواعد الاحكام ووجوه الخداع من الناس.
ويقدَّم في الْفَتْوى من هُوَ أنقَلُ (وأتْقَنُ) للأحكام وأشفَقُ على الأمة، وأحْرَصُهُم على إرشادها لحدود الشريعة.
ويقدم في سعاية الماشيةِ وجباية الزّكاة والعمل عليها مَن هو أعرَفُ بأنصبة الزكوات ومقادير الواجب فيها، وأحكام اختلاطها وافتراقها وضَمّ اجناسها.
ويقدَّم في أمانة الحكم من هو أعرف بمقادير النفقات وأهليات الكفالات، وتنمية أموال الايتام والمناضلة عنهم، وكذلك بقية الولايات.
ويقدَّم في الخلافة من هو كامِلُ العلْم، ولدين، وافِرُ العقل والرأى، قوى النفس، شديد الشجاعة، عارف بأهليات الولايات، حريص على مصالح الامة، قرشي من قبيلة النبوة المعظمَة، كامل الحُرمة والهِبة في نفوس الناس.
ولما كانت الحضانة تفتقر إلى وفور الصبر على الاطفال في كثرة البكاء والتضجر في الهيآت العارضة للصبيان، ومزيِد الشفقة والرِّقة الباعثة على الرفق بالضعفاء والرفق بهم، وكانتْ النسوة أتمَّ من الرجال في ذلك كله، قُدِّمْن عليهم، لأن أنفَاتِ الرجال وإبَايةَ نفوسهم، وعُلُو هممهم تمنعُهم من الانسلاك أطوار الصبيان وما يليق بهم من اللطف والمعاملات، وملابسة القاذورات وتحَمُّلِ الدنآتِ، فهذا هو الفرق بين قاعدة الحضانات وغيرها من قواعد الولايات". انتهى كلام القرافي رحمه الله.
(٢٨٨) عبارة القرافي هنا: ويظهر لك باعتبار هذا التقرير أن التقديم في الصلاة لا يلزم منه، من حيث هو تقديم في الصلاة، التقديمُ في الإِمامة العظمى، لأن الإِمامة العظمى مشتملة على سياسة الأمة ومعرفة معاقد الشريعة، وضَبْطِ الجبوش، وولاية الأكفاء، وعَزلِ الضعفاء، ومكافحة الأضداد والأعداء، وتصريف الاموال وأخذها من مظانها، وصَرفِها في مستحقاتها، إلى غير ذلك مما هو معروف بالامامة الكبرى. ولهذا أوردَ سؤالاً عن قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، رضِيَكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا، إشارة لتقديمه في الصلاة، فجعل عمر رضي الله عته ذلك دليلا على تقديمه رضي الله عنه للإمامة الكبرى، وهذا في ظاهر الحال لا يستقيم، لأنه لا يلزم من التقديم في الصلاة، التقديم في الخلافة".
والجواب عن هذا السؤال من وجوه، إلى آخر ما ذكره القرافي هنا، واختصرة في ايجازه الشيخ البقوري، رحمهما الله.
وقد عقب الشيخ ابن الشاط على هذا بقوله: ما قاله من أنَّ من له أهلية القيام بإمامة الصلاة لا يلزم أن يكون له اهلية القيام بإمامة الخلافة، صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>