ويَرِدُ عليه أنه مطلق في الازمان، فيُحملُ على زمانه - صلى الله عليه وسلم - لخروج الصحابة بعده، فيلزم أن يكونوا خَبَثاً، وليس كذلك. وسابعها: قوله - صلى الله عليه وسلم - "ما بين قبري ومنبري روضةٌ من رياض الجنة" ويَرِدُ عليه أنه يدل على فضل ذلك الموضع لا المدينة. وأما مكة شرَّفها الله تعالى ففضِّلتْ بوجوه: أحدها: وجوب الحج والعمرة، على الخلاف في وجوب العمرة، والمدينَة يُندَبُ إتيانها ولا يجبُ. وثانيها: أنَّ اقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانتْ بمكة بعد النبوة أكثر من المدينة، فأقام بمكة ثلاثَ عشرة سنة، وبالمدينة عَشراً. غيرَ أنه يرد على هذا الوجه أن تلك العشرةَ كان كمالهُ - صلى الله عليه وسلم -، وكمالُ الدين فيها أتمّ وأوْفَرَ، فلعَلّ ساعة بالمدينة كانتْ أفضلَ من سنة بمكة أو من جملة الإقامة بها. وثالثها: فُضِّلَتْ المدينةُ بكَثْرة الطارئين من عباد الله الصالحين، وفُضِّلت مكة بالطائفين من الانبياء والمرسَلين، فما من نبي إلا حجَّها: آدمُ فمَنْ سِواه، ولو كان لِملكٍ دارانِ فأوجب على رعاياهُ وخدَمِهِ أن ياتوا إحداما، ووعَدَهم على ذلك بمغفرة سيئاتهم ورفع درجاتهم دون الأخرى لَعُلِمَ أنها عنده أفضل. ورابعها: أن التعْظيم والاستلام نوع من الاحترام، وما خاصان بالكعبة. وخامسها: وجوبُ استقبالها يدل على تعظيمها وسادسها: تميم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة يدل على تعظيمها، ولم يحصل ذلك لغيرها. وسابعها: تحريمها يوم خلَقَ الله السماواتِ والارض، ولم تُحَرَّمْ المدينةُ إلا في زمانه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك دليل على فضلها. وثامنها: كونها مَثْوى إبراهيمَ واسماعيل عليهما الصلاة والسلام. وتاسعها: كونها مولدَ سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وعاشرها: كونها لا تُدخَلُ إلا بإحرامٍ، وذلك يدل على تعظيمها. وحادي عَشَرها: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]. وثاني عشرها: الاغتسال لدخولها دون المدينة. وثالث عشرها: ثناء الله تعالى على البيت الحرام، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} الآية ٩٦. سورة آل عمران. ثم زاد القرافي قائلا: واعلم أن تفضيل الازمان والبقاع قسمان: تفضيل دنيوى كتفضيل الربيع عن غيره كتفضيل بعض البلدان بالثمار والانهار وطيبِ الهواء وموافقة الأهواء، وتفضيل ديني كتفضيل رمضان على الشهور، وعاشوراء على الأيام، وكذلك يوم عرفة، وأيامُ البيض، وعَشْرُ المحرّم، والخميس والاثنين، ونحو ذلك ممّا ورد الشرع بتفضيله =