للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقلب، والجمع بينهما، والصريح والكناية، والمعاريض حتي يقع فيه ما يقع في الألفاظ من قولهم: أبو يوسف أبو حنيفة، (٢٣٧) وزيدٌ زُهيرٌ (٢٣٨) شِعْراً.

فالمشترَكُ كالفيل هو مَلِكٌ أعجميٌّ، وهو الطلاق الثلاث.

لأن عادة أهْل الهند إذا طلّق أحدٌ ثلاثا ألْقوْه على فيل، فلمّا كان من لوازم الطَّلاق عُبِّر به عن الطلاق، والمتواطئ كالشجرة وهي رجلٌ، أيَّ رجُلٍ كان.

ثمّ إن كانتْ تنبت في العجم فهو رجل أعْجَمي، أو عند العرب فهو عربي أو لا ثمر لها فلا خير فيه، أوْلها شَوْك فهو كثير الشر، أوْلها ثمر له قِشر فلهُ خيْرٌ لا يوصل اليه إلا بعْد مشقة، وهذا هو المُطْلَقُ والمقَيَّدُ، فحصلتْ القيود بالأمور الخارجة، كالصَّاعد على المنبر، الصعود ولاية، وهي مشترَكة بين الولايات ومطلقةٌ،


(٢٣٧) أبو يوسف: المراد به يعقوب بن ابراهيم بن حبيب، القاضي الامام رحمه الله. أخذ الفقه عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان مقَدَّما في أصحابه. صحيحا، ومتفوقا عليهم، بمنزلة الإِمام ابن القاسم من تلاميذ الامام مالك رحمهما الله، ولِيَ القضاء للهادي والمهدِي والرشيد من خِلفاء بئ الباس، وهُوَ أول من سمِّيَ قاضيَ القضاة، وأوَّلُ من اتخذ العلماء زيًّا خاصا، وثّقَهُ ابنُ مَعين وابن المديني، ورُوي عنه أنه قال: "ما قلت قولا خالفتُ فيه أبا حنيفة إلا وقول قاله ثم رغِبَ عنه" أي رجع عنه. ولأبي يوسف مؤلفات عديدة، من أشهرها كتاب "الخراج"، (في الأموال وتصريفها)، ولمكانته في العلوم الاسلامية وتبحره فيها، وخاصة في الفقه يشبهه العلماء بأبي حنيفة، فيقولون: أبو يوسف أبو حنيفة. وتوفي، سنة ١٨١ هـ. رحمه الله.
(٢٣٨) المراد به الشاعر الشهير أحد شعراء العصر الجاهلي أصحاب القصائد الطويلة المشهورة بالمعلقات، يمتاز شعره بالرصانة والجودة والحكم، مِثل الحكم التي ختم بها قصيدته المعلقة التي يقول في مطلعها.
أمِنْ أمِّ أوفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بِحَومانة الدَّرَّاج فالمتثلَّمِ
ويقول في ختامها هذه الابياتَ الحِكميةَ اللطيفة، التي يقع الاستشهاد ببعضها في مواضع مختلفةٍ، في مواطن مناسبةٍ من طرف النحاة والأدباء، وهي قوله:
ومهْما تكنْ عند امرئ من خليقةٍ ... -وإن خالَفيها تخفَى على الناسِ- تُعْلَمِ
وكَائِنْ تَرى من صامتٍ لك مُعْجبٍ ... زيادتُه أو نقْصُهُ في التكلم
لسان الفتَى نصفٌ ونصفٌ فَؤادُه ... فلم يبقَ إلا صورةُ اللحم والدّم
وإن سَفَاهَ الشيخ لا حِلمَ بعدَه ... وإن الفتَى بعْدَ السَّفَاهة يَحْلُمُ
سألْنَا فأعْطَيتُمْ وعُدْنَا فعُدتُموا ... ومَنْ أكثرَ التَّسآل يوماً سَيُحْرَمُ
والشخص الاديب حين يكون له شعر متين رصين، لغة ومضموناً وبلاغةً وحكمة، يمكن تَشْبيهُهُ بهذا الشاعر زهير او غيره من الشعراء والادباء المرموقين، فيقال: زيد زهيْرٌ شعْرا، ونحو ذلك. ومنه قيل: المرءُ بأصْغريْهِ: قلبِه ولسانِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>