فإذا وقع الخلاف في مثل هذا الاجتهاد ثبت الخلاف من غير تقديم لأحد المذهبين على الآخر، إلا عند من رَجَحَ عنده كالمجتهدين، وكلّ من رجح عنده ذلك المذهب لا يسوغ له ترْكُه، وكل من جحَ عنده المذهث الآخَرُ لا يسوغ له تركه، فلا وَرَعَ باعتبار المجتهدين، ولابُدَّ لمن حكمه التقليد أن يحملَ بالتقليد، فإذا قلد أحدَ المجتهدين لا يتمكن له في تلك الحال وفي تلك القضية أن يقلد الآخر، ولا أن ينظر لنفسه، لأنه ليس من أهْل النظر، والمكلَّفون كلهم دائرون بين الاجتهاد والتقليد، والمجتهد ممنوع من الأخذ بغير ما اقتضاه نظره، فلا يصحّ الورع الذي يقتضي خلاف مذهب مقلِده في حد ذاته. وإذا كان هذا النوع من الورَع لا يصحُّ في حق المجتهدين ولا في حقِّ المقلِّدين فليس بصحيح، لأنه لا ثالث يصح ذلك الورع في حقه، والله تعالى أعلم". انتهى كلام ابن الشاط رحمه الله في هذا التعليق الطويل الهام المتعلق بالورع في مراعاة الخلاف المذهبي الفقهي، واعتبارِه في الأخذ بما هو أحوَطُ، وبتصحيحه وبتبيان وجهة نظره في الموضوع.