للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزمخشري في كتاب التفسير المسمَّى الكشاف اجتهد في هذه المسألة ونحا منحى آخر غير منحى الشافعي وأحمد، ومع ذلك وصل إلى ما وصل إليه الإمامان، فقد ذكر في تفسير آية التيمم {فَتَيَمَّمُوا صَعِيْدَاً طَيِّباً فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأِيْدِيْكُمْ مِنْهُ} أن كلمة (من) للتبعيض وأنه لا يفهم أحد من العرب قول القائل مسحت برأسه من الدهن ومن التراب إلا معنى التبعيض. فقد فهم من الآية أنها تفيد التيمُّم بالتراب فحسب، وأنه هو البعض المقصود، وهو رأي الإمامين نفسه وإن خالفهما في كيفية الاستنباط.

والصحيح هو أن الزمخشري جانبه التوفيق في الاستنباط كما جانب الإمامين وإن اختلفوا في وجه الاستدلال. أجل إنَّ (مِن) هنا للتبعيض ولكن أيَّ بعضٍ هو الواجب في التيمُّم؟ هل هو بعضٌ مما ضربت اليد عليه أم هو بعضٌ من أصناف الصعيد؟ بمعنى هل المقصود ذلك الشيء العالق باليد وهو بعضٌ مما ضربت اليد عليه أم هو صنفٌ من أصناف الصعيد كالرمل والتراب والصخور؟ فإن قال هو بالاحتمال الثاني قلنا نحن بالاحتمال الأول، فكما أن الاحتمال الثاني ممكن فكذلك الاحتمال الأول ممكن هو الآخر، أرأيت لو قالت الآية: تيمَّموا تراباً طيباً، أما كان يجوز لغة أن يقال بعد ذلك فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه؟ بالقطع يجوز، بل هو المعنى الراجح من التبعيض هنا، فالاحتمال الأول أرجح وهو أدنى من الثاني إلى قواعد العربية.

ولكنَّ كلَّ ذلك وأنَّ وجوه الاستدلال غير صحيحة وغير منطبقة شيءٌ، والقول بأن التراب هو المُجْزيء في التيمُّم شيء آخر. فلئن لم أُوافق الشافعي وأحمد والزمخشري في وجه الاستدلال إلا أن ذلك لا يمنع من الذهاب إلى الرأي نفسه الذي يذهبون إليه، وهو أن التراب وبشكل أدق ما نعُم من أديم الأرض هو المُجْزيء في التيمُّم. أما كيف؟ فهاكم الجواب:

<<  <  ج: ص:  >  >>