إن النصوص حين ذكرت التراب لم تخصِّص به العام وهو الصعيد، وإن النصوص حين ذكرت الصعيد لم تكن تريد تخصيص العام وهو الأرض، كما أن النصوص حين ذكرت الجدار لم تكن تريد تخصيص الأرض أو الصعيد أو التراب به، وكل ما حصل هو أن النصوص ذكرت ألفاظاً عامة، وذكرت أفراداً من هذا العام لا غير، وإنَّ ذكرَ فردٍ من أفراد العام لا يعني تخصيص هذا العام بهذا الفرد، وإنَّ ذكر التراب لا يخرج عن كونه إنما خرج على الأغلب لأنه الجزء الغالب المستعمل من الأرض، وما ذُكِرَ الجدارُ ليكون مخصِّصاً، وإنما هو فرد من أفراد العام، أو قُل هو حالة حصل فيها التيمُّم لا غير. فالقول إن التراب مخصِّص أو مقيِّد هو قولٌ غير صحيح، بل الصحيح هو أن التراب فرد من أفراد العام لا غير، فلا تخصيص ولا تقييد، ويظل العام على عمومه، وتظل الآية التي طلبت الصعيد على عمومها، وتظل الأحاديث التي طلبت الصعيد أو الأرض على عمومها هي الأخرى لم يقع فيها تخصيص ولا تقييد.
فالنصوص قد أجازت التيمُّم بالأرض، وبسطحها، وبترابها، وبالجدران، فيُعمل بها كلها. نعم لو جاءت نصوص تقْصُرُ التيمُّمَ على التراب لقلنا بالتخصيص، ولو جاءت نصوص تنهى عما سوى التراب لقلنا بالتخصيص، أمَّا وأن شيئاً من ذلك لم يحصل فلا يصح القول بالتخصيص، فالشافعي وأحمد ومن ذهب مذهبهما أخطأوا حين لم يفرِّقوا هنا بين التخصيص وبين التنصيص على فرد من أفراد العام، رغم أن الفرق بينهما واضح. فقولهم إنه لا يجوز التيمُّم إلا بالتراب اعتماداً على القول بالتخصيص خطأ.