٨- المادة المستعملة في التيمُّم: بعد أن استنبطنا الأحكام السابقة من النصوص السابقة بقي أن نبحث مسألة أساسية في التيمُّم لها علاقة بالكيفية، هي المادة التي يُمسح بها، هل هي التراب بمعناه المتعارف عليه عند جمهرة الفقهاء، أم هي مطلق وجه الأرض بما فيه من صخور وتراب وحجارة ورمال؟ هذه المسألة اختلفت فيها المذاهب وجمهور العلماء على الشكل التالي:
ذهب الأحناف إلى أن الصعيد الطَّهور الذي طُلب التيمُّم به هو كل ما كان من جنس الأرض من تراب ورمل وحصى وحجر ولو أملس، ولم يجيزوا التيمُّم بالثلج والأشجار والزجاج والمعادن المنقولة واللؤلؤ وإن كان مسحوقاً، والدقيق والرماد والكُحل والكبريت، والتراب إذا خالطه شيء من جنس الأرض وغلب عليه، فإن لم يغلب عليه أو تساويا صح التيمُّم به.
وذهب المالكيون إلى أن الصعيد ما صعد أي ظهر من أجزاء الأرض فيشمل التراب وهو الأفضل، والرمل والحجر والثلج والطين والجص وهو عندهم الحجر إذا احترق وصار جيراً، والمعادن إلا الذهب والفضة، والجواهر والمنقول من المعادن كالشَّبِّ والملح والطوب غير المحترق فإن احترق لم يجُز التيمُّم به، ولم يجيزوا التيمُّم بما ليس من أجزاء الأرض كالخشب والحشيش. وإذن فالأحناف والمالكيون اشتركوا في أصل المسألة دون التفاصيل، فقد اشتركوا في أن التيمُّم يجوز بما يعلو سطح الأرض من تراب ورمل وحجارة وغيرها، وبهذا الرأي قال عطاء والأوزاعي والثوري.
وذهب الشافعيون إلى أن الصعيد الطَّهور هو التراب الذي له غبار إلا ناساً منهم أجازوا استعمال الرمل، فإن لم يكن له غبار فلا يصح التيمُّم به، والتراب المحترق إلا إذا صار رماداً، وإن اختلط التراب أو الرمل بشيء آخر كدقيق وإن قلَّ لم يجز التيمُّم به، واشترطوا أن لا يكون التراب مستعمَلاً، وعنوا بذلك ما يبقى على العضو الممسوح أو يتناثر منه عند المسح.