ومما يزيدنا اطمئناناً أن الآيتين الكريمتين بدأتا بالوجه، فنقرر مطمئنين أن التيمُّم ينبغي أن يكون بمسح الوجه أولاً ثم مسح الكفين. فالروايات السَّبع والآيتان الكريمتان تبدأ كلها بذكر الوجه، ولا يعارضها سوى روايتين اثنتين فقط جاء فيهما ذِكرُ كيفية مسح الكفَّين، فيُعملُ بالنصوص التسعة ويُترك العمل بنصين. وهذا القول هو مع افتراض وجود التعارض، أما مع تأويل الروايتين بما سبق فلا تعارض، ويُعمل بمجمل النصوص من تقديم الوجه على الكفين.
وعليه فإن الواجب في التيمُّم البدءُ بالوجه ثم بالكفين «ابدأوا بما بدأ الله به» وبهذا الرأي تمسك الشافعي وأحمد. أما أبو حنيفة ومالك فقد اعتبرا البدء بالوجه سُنَّة، ولا وجه لهذا الرأي، لأنهما إما أن يقولا بالوجوب مستدلين بما استدللنا به، وإما أن يقولا بالإباحة استدلالاً بالروايات الصحيحة المتعارضة.
٥- كيفية مسح الكفين: وردت الكيفية كما يلي: «ضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضهما، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه» ، «مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه» . الرواية الأولى جاءت بمسح ظهر الكف بالشمال، أو مسح ظهر الشمال بالكف. والحقيقة أن هذه العبارة غامضة، اللهمَّ إلا أن تُفسَّر (أو) بـ (و) . لأن المسح لا بد من أن يكون للكفَّين وليس لكفٍّ واحدة، فيكون الحديث قد أفاد مسح ظاهر الكفَّين بدءاً بالكف اليمنى ثم اليسرى فقوله «ظهر كفه بشماله» يفيد ظهر الكف اليمنى، وقوله «ظهر شماله بكفه» يفيد مسح ظهر الكف اليسرى. أما الرواية الثانية فاقتصرت على القول «ظاهر كفيه» أما ما سبق ذلك من القول «مسح الشمال على اليمين» فيُحمل على أنه لتخفيف الغُبار العالق بباطن اليدين قبل البدء بالمسح، مثله مثل النفخ والتَّفْل.