للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعمار بن ياسر رويت عنه ست روايات فيها تقديم الوجه على الكفين، وروايتان اثنتان فقط فيهما تقديم الكفين على الوجه، ورواية أبي جُهَيم عند البخاري ورد فيها تقديم الوجه على اليدين. والملفت للنظر أن الروايتين الوحيدتين اللتين ذكرتا تقديم الكفين على الوجه هما اللتان جاءتا بكيفية مسح الكفين، ونحن لا نتصور أن يكون عمَّار نفسه راوي هذه الروايات العديدة يخالف نفسه ويناقض نفسه، أي لا يُتصوَّر أن يروي عمار هذه الروايات المتعارضة لاسيما وأنه يروي حادثة واحدة، فلا يخرج التفسير عن احتمالين لا غير: إما أنَّ الخطأ والتعارض قد حصل من قِبَلِ الرواة ولم يحصل من عمار، وإمَّا أنَّ عمَّاراً أراد بالروايتين الاثنتين المغايرتين لسائر الروايات أن يركِّز على شرح كيفية مسح الكفين، فقدَّمهما للأهمية ولعدم الخشية من اللبس، وذلك لأن الوجه جاء بنصوص القرآن والأحاديث مقَدَّماً على الكفَّين، أي أنَّه حين كان يريد ذِكْر الكيفية لمسح الكفين يبدأ بهما للأهمية، وحين كان لا يريد ذِكر الكيفية يأتي على ذِكر الوجه أولاً، ثم على ذِكر الكفَّين كالمعتاد في التيمُّم، ولا أتصور احتمالاً ثالثاً.

ولا يقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد مسح الكفين أولاً مرة أو مرتين، ومسح الوجه أولاً مرات أخرى، وأنَّ ذلك منه يدلُّ على التخيير، لا يقال ذلك، لأن الحادثة واحدة والراوي واحد، فلا بد من الترجيح أو التأويل، فبالترجيح نرجِّح روايات تقديم الوجه على الكفين لأنها الأكثر، وبالتأويل نقول ما قلناه من قبل من أن عمَّاراً قدم الكفَّين حين أراد ذِكر كيفية مسحهما للأهمية، ونحن نرجح الاحتمال الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>